الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

متلازمة الكوخ وغزو الآلات

عمّقت جائحة كورونا من النمط الاجتماعي الانعزالي، أو ما بات يطلق عليه بعض العلماء «متلازمة الكوخ»، بعد أن حلت مواقع التواصل الاجتماعي مكان العلاقات الاجتماعية والصداقات الحقيقية، ولم يتوقف الأمر عند العلاقات الإنسانية، حيث سرعت إجراءات «التباعد الاجتماعي» التي فرضها فيروس كورونا من تحول البشر نحو العالم الافتراضي، وفي مقدمة ذلك ازدهار أسواق ومتاجر البيع الإلكتروني التي أصبحت أكثر المستفيدين اقتصاديّاً من نمط الحياة الانعزالي الجديد.

وبينما كان الحديث يتم عن تحول تدريجي تمليه التطورات التكنولوجية المتسارعة، باتجاه سيطرة عوالم الإنترنت على مجريات حياتنا، يبدو أن بعض السلوكيات التي عززتها جائحة كورونا ستستمر معنا إلى الأبد، باستعراض سريع لتاريخ التطور الذي شهده العقدان الأخيران في حياة البشرية، نكتشف تحولاً مهولاً في الأنماط الاجتماعية والاقتصادية والثقافية ومن أبرز ملامح هذا التحول، الركون الكبير إلى الآلة على حساب القدرات الإنسانية المكتسبة.

فعملية البحث عن المعلومات لم تعد تتطلب التجول المضني لشهور بين رفوف المكتبات، وعمليات الشراء والبيع لم تعد تتطلب الكثير من الوقت والجهد في التجول بين الأسواق والمتاجر، كما أن ألعاب الأطفال الشعبية البدني منها والذهني، تكاد تنقرض ويستعاض عنها بالألعاب الإلكترونية التي اجتاحت عقول الأطفال والكبار على حد سواء.


لقد فرض الغزو التكنولوجي المتسارع لتفاصيل حياتنا، واقعاً جديداً يتسم بالكسل البدني والعقلي، في ظل التطور المذهل في وسائل الرفاهية، فعلى سبيل المثال تم تصنيع آلات بديلة عن الجهد الذي يبذل في كافة أعمال الحياة اليومية، ففي المطبخ لم تعد المرأة بحاجة إلى غسل الملابس أو تعريضها للشمس، بعد أن ظهرت الغسالات الأوتوماتيكية والمجففات، عوضاً عن وجود أجهزة حديثة لكي وطي الملابس!


ويمكن القياس على ذلك في أمور كثيرة جداً، كان الإنسان يقوم بها بشكل يدوي أو ذهني في المنزل أو خارجه، وأصبحت اليوم لا تحتاج لأكثر من «ضغطة زر» للقيام بعميلة كانت فيما مضى تحتاج لجهد عضلي أو عقلي، وعلى كثرة الفوائد التي جنتها البشرية من التطور العلمي والتكنولوجي، إلا أن هناك جانباً مظلماً وقاتماً يكمن في استمراء وتساهل الإنسانية لعملية إحلال التكنولوجيا كبديل افتراضي في الحياة، ومن أبرز وأكثر هذه المخاطر وضوحاً ومباشرة، خلق إنسان كسول، اتكالي، يركن في كل تفاصيل حياته إلى الآلة، ويتعامل مع كل متطلباته اليومية عبر شاشة الكمبيوتر أو الموبايل!