الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

سنغافورة.. ووصايا التحكيم الأربع

ذكرنا في المقال السابق كيف توجهت بريطانيا «شرقاً» للاستفادة من خبرة إحدى مستعمراتها السابقة «سنغافورة حالياً»، سعياً منها لاستدامة صدارتها، بوصفها وجهة دولية ومقراً له الموثوقية عالمياً في استقطاب وتسوية المنازعات التجارية الدولية، خاصة عبر آلية التحكيم، أسفرت زيارة الوفد البريطاني (APPG ADR) عن تقرير بعنوان: «المحافظة على مكانة بريطانيا كمقر لتسوية المنازعات.. أفضل الممارسات والدروس من سنغافورة».

ولأن تنافسية مقرات التحكيم التجاري الدولي على استقطاب أطراف المنازعات التجارية العابرة للدول باتت تتصدر المشهد الدولي، مما جعل الدول تعيد هيكلة بنيتها التشريعية والقضائية والمؤسسية وصولاً إلى منظومة متكاملة مترابطة يُؤازر بعضها بعضاً لتكون وجهة تحكيمية جاذبة وآمنة، وتحظى بثقة أطراف الخصومة التحكيمية، فإنه من العملي والواقعي أن نستعرض أهم أربع توصيات وردت بالتقرير في هذا الشأن من بين توصيات عديدة.

التوصية الأولى: ضرورة دعم الحكومة استراتيجياً لكافة مكونات المنظومة التشريعية والقضائية والمؤسسية والبيئية لتسوية المنازعات، وقد ذهبت تلك التوصية إلى ضرورة استحداث حقيبة وزارية، «وزير المنازعات التجارية»، تكون مهمته أداء دور «المايسترو الحكومي الاستراتيجي»، الداعم للتمكين التشريعي والقضائي والمؤسسي وبيئة الأعمال لتسوية فاعلة للمنازعات.


التوصية الثانية: تبنّي الحلول الإبداعية الابتكارية الخلاقة، بما يواكب احتياجات وتوقعات مجتمع الأعمال في مجال تسوية المنازعات التجارية، ويتجاوز أُطر الآليات التقليدية، خاصة في ظل تداعيات أزمة كورونا على متطلبات تسوية المنازعات.


التوصية الثالثة: تفعيل آليات «تفادي المنازعات»، لتكون ثلاثية العدالة الناجزة هي «تفادي وإدارة وتسوية» المنازعات، والحقيقة أن مسألة «التفادي» أو «العدالة الوقائية» باتت حاضرة بشكل لافت في الأجندات الحكومية لدى بعض الأنظمة القانونية على الصعيدين الإقليمي والعالمي لتتكامل العدالة وقائياً واتفاقياً وتحكيمياً وقضائياً، خاصة بعد الجائحة.

التوصية الرابعة: تشجيع الأفراد من خارج التخصصات القانونية، وتمكينهم وتأهيلهم، ليكونوا أعضاء فاعلين في مجال تسوية المنازعات عبر آليات الحلول البديلة.

والسؤال: إن كانت بريطانيا بتاريخها العريق في صناعة التحكيم التجاري الدولي وتسوية المنازعات تُعيد ترتيب بيتها، وتنقب عن فرص تحسين لتعزيز مكانتها وصدارتها، وهي الآن تتبوأ المقعد الأول كوجهة ومقر عالمي في تسوية المنازعات العابرة للدول، فماذا علينا نحن في دولنا العربية أن نفعل لكي نكون جزءاً من المشهد الدولي في التنافسية وصولاً إلى الصدارة العالمية أو حتى الإقليمية؟