الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

نوفمبر العُمانيين

إن الثقافة شبكة من الأنظمة لا نستطيع أن نفصل بين بنياتها وأجزائها، لأنها تتكامل فيما بينها لتشكل قوة، وبالتالي سلطة بحيث لا يمكن إزاحة أو إحداث تغيير في أي بنية من بنياتها، إلا بإحداث تشكيل مجتمعي أو سلوكيات مؤسسة على سيرورة عملية وجمعية واضحة، من هنا يمكن أن نتحدث عن الثقافية بوصفها طبيعية نابعة من قلب المجتمع دون اختزال لخصوصيتها، وهكذا سيتاح لنا الوصول إلى الفهم الحقيقي وبالتالي التأويل الفاعل لمعنى الذات التي تمثل قلب هذه الثقافة.

وعلى الرغم من أن الثقافة العُمانية ضاربة في القدم كونها حضارة تاريخية، إلا أن ظهور شخصية السلطان الراحل (قابوس بن سعيد) وتأسيسه ما يُسمى بـ(النهضة الحديثة)، جعلت من الثقافة العمانية تتخذ مساراً مختلفاً من حيث الرؤية والقدرة على التحقق انطلاقاً من التاريخ الثقافي نفسه.

ولأن المجتمع العماني في حاضره مرتبط بشخصية (قابوس) بوصفها مثالاً ليس فقط من حيث القدرة الفكرية والمكانية السياسية وإنما أيضاً من حيث المظهر، فالزي العماني الذي كان يرتديه رحمه الله جعل العمانيين ينساقون إليه وإلى تفاصليه الدقيقة، على الرغم من أن أزياء الرجال متنوعة من حيث تفاصيلها في محافظات السلطنة المختلفة، بالإضافة إلى قدرته اللغوية والخطابية.


هكذا سنجد أن العمانيين اتخذوا من (قابوس) قلباً للثقافة التي تقود التغيير نحو العالمية من ناحية، والحفاظ على الهُوية الوطنية من ناحية أخرى، الأمر الذي جعل لشهر (نوفمبر) دلالات ثقافية ذات تأثير بالغ في أفراد المجتمع، فعندما كان عيد جلوسه على العرش في شهر يوليو الصيفي وتعذُر إقامة الاحتفالات في جوه الحار، أصبح نوفمبر هو الخيار الأمثل، فغدا شهر (العيد الوطني) الذي ينتظره العمانيون للتعبير عن سعادتهم الغامرة بهذه الشخصية التي قامت بدور تاريخي لبناء عُمان الحديثة.


إن ارتباط العمانيين بشهر نوفمبر مرتبط بـ(قابوس) لأنه الشهر الذي وُلِد فيه، فالـ18 من نوفمبر هو ميلاد هذه الشخصية التي تُعد قلب الثقافة العمانية الحديثة، التي أسست القيم المتوازنة والانفتاح الواعي، وبناء العلاقات مع الآخر، وهو الظاهرة الثقافية التي يتأسس عليها الفكر العماني الحديث، لهذا فما إن يقترب (نوفمبر) حتى تجد أعمال العمانيين تتمحور حول (قابوس) بوصفه قيمة فكرية راسخة، وليس أدل على ذلك من تفضل السلطان هيثم بن طارق بإبقاء الـ18 من نوفمبر يوماً للعيد الوطني العماني، فـ(قابوس) القلوب باقٍ دوماً نابض بالحياة.