الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

كيمياء وسحر الكلمة

إذا رافقتها نبرة وترجمتها نظرة فإن للكلمة سحراً، حينها تقع في النفس وقد شاركت في استقبالها لدى المتلقي العين والأذن، وترجمها العقل، وفي اللحظة منحها صورة ذهنية أسهمت في رسمها نظرة ونبرة المرسل، فاتخذت موقعها من النفس وألقت بوقعها على العاطفة، حينها ستفعل فعلها وتحفز وتشجع وتحث الهمم، أو هي ستُحبط وتُسقط أسلحة المتلقي وتجعله خاضعاً لوقعها عليه، وقد لا تكون مشجعة أو محبطة، بل تقوم بتفجير طاقة غير متوقعة تهز الكيان وتزلزله، إيجاباً نحو الأجمل، أو سلباً فتولد غضباً.

إذا كانت الكيمياء تتعامل مع العناصر، فتخلطها وتُشكل مركبات تختلف في صفاتها وخصائصها عما يميز العناصر، فإن الأمر بشأن الكلمة لا يختلف عن ذلك، ولكن بصورة غير حسية وغير ملموسة، وقد وعى العربي بفطرته مدى ما تحمله الكلمة من طاقة، والدلائل على ذلك الكثير مما حمله لنا الموروث من المواقف والقصص.

كان أحد الأعراب جالساً في مجلس أحد الأمراء على مائدة طعام، وعندما تناول الأعرابي كأس ماء، فإذا بالماء ينسكب منه على الأرض، فنظر إليه الأمير نظرة حادة، فارتبك وجميع الحاضرين ذُهلوا وهم يتوقعون غضب الأمير، حينها نهض الأعرابي وهو يحمل الكأس وقال:


شربنا شراباً طيباً عند طيبٍ


كذاك شرابُ الطيبين يطيب

شربنا وأهرقنا على الأرضِ فضلةً

وللأرض من كأس الكرام نصيب

فأذهل الجميع بما فيهم الأمير، الذي استساغ القول، فسكب كأساً كان في يده، وكرر قول الأعرابي: وللأرض من كأس الكرام نصيب، وبذلك تمكن الأعرابي من استبدال غضب الأمير بالرضى من خلال البيان وسحر الكلمة.