السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

النُّضْج الفكري.. وتقبّل الآخر

منذ فجر البشرية، عمل الإنسان ـ و لا يزال ـ على اكتساب المعرفة، واكتشافها، وتداول تلك المعرفة التي تجعله في توافق تام مع الآخر، وتقبل وجوده واختلافه عنا كمفهومٍ للتعايش وفق النضج الفكري.

مع تزايد المعارف، وتطور العلوم، وتقدم فكر الإنسان وتطوره، شكّلت المعارف الإنسانية المتنوعة والمكتسبة لمختلف شعوب العالم، واكتشافهم لوجود بعضهم البعض في الجانب الآخر من الأرض، كم شكّلت أيضاً تقدماً فكرياً مذهلاً، وعملت على تكوين إرثٍ معرفي عظيم، أدى إلى تكوين قيم جديدة تستكشف المكان والنفس، وتقبل الآخر عبر تطور الأفكار والوصول إلى مرحلة ما يسمى بالنضج الفكري، والذي يعني الوصول إلى مستوى معين من الفكر، عبر التحليل والتعمق، ومعرفة أساسيات العلوم والمعارف واكتساب العلم.

هذا النضج الفكري، والتعامل مع الأشياء بدرجة متساوية من القياسات العقلية البحتة، بعيداً عن التعصب للنفس، عمل على تطوير معارف البشر وسلوكهم، وتقديم النموذج الجيّد لما تصل إليه نتائج القبول بالآخر والتفاعل مع وجوده وقيمه وإن اختلفت عنا.

ومع تطور الحياة وتراكم المعارف والتعليم الممنهج، انتشر التعارف بين الناس، وصار البشر يتواجدون في المكان نفسه وهم مختلفون كل الاختلاف، وبالتالي أصبح أمرُ تقبل الآخر، والاعتراف بما يحمله من ثقافة وعاداتٍ وسلوكيات تختلف عمّا ألِفناهُ وتعارفنا عليه في حياتنا، هو مقياس النضج الفكري الذي توافق عليه أهل العلم والثقافة في العالم على أنه القاسم المشترك، الذي يجمع البشرية، ويعلنُ أننا وصلنا مرحلة متقدمة من الفكر.

وفي المعرفة يجب أن يشير ويُعمّق تفاعل المعارف مع السلوك الشخصي ليُخرج لنا سلوكاً جديداً نرضاهُ نحن والآخر من حولنا، ويحمل قيم تقبل أفكار الآخرين، واختلافهم عنا، وتحترم كل ذلك، بما يملكونه من معارفهم الأخرى، وما يحملونه من أفكار تمثّل لنا هي الأخرى كنزاً معرفياً عميقاً، وعلاماتٍ إرشادية تعيننا على معرفة أنفسنا، وأهمية ما يجب عليه أن يكون تقبل الآخر، ليكون بذلك تمامُ المعرفة الإنسانية وصدق العشيرة، وتملك الفكر والعلم الصحيح، مقروناً بما يحمله الآخرون من قيمٍ تعكسُ القبول العقلي المنطقي منا ومنهم في تجربةٍ إنسانيةٍ تبادلية كبيرة، تقدم المفيد للبشرية.

بلا شك يقفُ النضج الفكري كأحد الأدلة الموثّقة، والعلامات الفارقة لتقدم الإنسان فكرياً، وفق الشروط السليمة لتلقي العلم واستخدامه للتواصل، وتقبُّل الآخر الذي يقاسمنا الحياة، ليقبلنا هو بكل حبٍ ومودةٍ.