فردانية سقراط ونيتشه

في عالم جديدٍ يموج بمليارات النصوص المكتوبة والمقاطع المصورة، يحتار المرء فيما يستحق أن ُيقرأ أو يُشاهد، لأن الوقت بطبيعة الحال محدود والخيارات كثيرة، لذلك المعضلة تكمن دائماً في الاختيار.

وأنا أقرأ الوصايا العشر للفلسفة، استوقفتني عبارة تنسب إلى سقراط، يقول فيها: «اعرف نفسك بنفسك»، ورغم قصر العبارة، إلا أنها أخذتني معها في رحلة بحث وتفكير عميقة لا تزال مستمرة حتى الآن، ولا أعلم متى ستنتهي، أو بعبارة أدق: لا أعلم إن كانت لها نهاية، أم هي رحلة سرمدية إذا بدأها المرء لا ينتهي منها؟

يقول نيتشه فيما يبدو أنها محاولة منه لتفكيك وصية سقراط: «عليك أن تكون أنت هو أنت بالذات، وهذا كل ما في الأمر».

ماذا يعني ذلك؟

يعني أن الإنسان هو الأقرب إلى نفسه من أي طرف آخر، مهما كان هذا الطرف لصيقاً به، وهذه الحقيقة الكبرى تتفرع منها عدة حقائق صغيرة، منها: إن كل إنسان هو الأدرى بتفضيلاته من أي شخص آخر، فنمط الحياة الذي يناسبني ليس بالضرورة أن ينال مباركة المحيطين بي، والوظيفة التي أختارها ليست بالضرورة أن تكون هي الوظيفة المفضلة لدى الآخرين، والقضايا التي تشغل بالي ليست بالضرورة أن تكون محط اهتمام الوسط الاجتماعي الذي أعيش فيه.

باختصار، سقراط ومن بعده نيتشه يحاولان إعادتنا إلى فردانيتنا التي ذابت في المجاميع الاجتماعية التي نعيش فيها، وهي فكرة، من وجهة نظري، تستحق التفكير والمناقشة.