الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

ظِلال زهرة

كيف تُزهر «زهرة بريّة» في مفازة لا نبع فيها، ولا غيمة ماطرة، سخية تمر بها؟ تمر عليها الفصول شحيحة، ولا طيف لكائن يروح ويجيء عليها، ليسكب ما فاض من رحله، فيرويها!

فمع اشتداد الجدب إما تموت أو أنها ستنمو، ولكن بخصائص تتماشى مع شح الطبيعة.. زهرة قصيرة القامة، بعمر قصير، ملآى بالأشواك، أو أنها ستتحول، لنبتة أخرى أكثر جفافاً، تختلف تماماً عمّا كانت عليه في أطوارها الأولى!

في رحم الجدب، هناك من يدور كزهرة عباد الشمس، حيثما لاح ضوء في أفقه، تعامد معه كيفما تأتّى له، لكي يبقى على قيد الحياة؛ بالضوء لا بالماء، ذلك الأمل الذي يوّلد في داخلك رغبة في مقاومته، إلى أن تعتاد مقاومته، والقفز فوقه، وكأنك تخوض حرباً باردة قد لا تخلو من سقوط، وعلو، تقدم، وتقهقر، فإما الخلاص منه، أو الفناء فيه!

من ناحيتي، كل يوم أصحو فيه أخلع عني جلدي الميت.. أُربّتُ على كتفي المخلوعة.. أُهدهدُ قلبي ببعض الأمنيات العتيقة.. أتأبَّط صبري، وأعتمر ابتسامتي، وأمضي في قلب تفاصيلي، وواجباتي، هكذا بكل استسلام وبكل بساطة، وبكل تصالحي مع الذات، وأيضاً بكل يقيني الذي يتملكني منذ زمن طويل بأني لن أعيش طويلاً في هذه الحياة، وأن كلَّ شيء سأتركه خلفي سيبقى على حد الانتصاف؛ قيد الإنجاز.. قيد الحلم؛ إلّا الحب الذي يشي بإسرافي من بعدي!

بهذا اليقين؛ عليّ أن أُحب قدر استطاعتي، اليوم كما كل يوم، أُقلّم كل هواجس الشر، واليأس، التي تشاغب عقلي، وقلبي، أحياناً، حينما يبلغ الظلم من ذاتي منتهاه، وتحدثني نفسي الأمّارة بالحب، بالثأر لها، ولكنني، كما كل مرة يهزمني فيها وجعي، أصحو في اليوم التالي بقلب سليم!

أعود إليّ، وأذهبُ في جوف الحياة مجدداً.. أُنجز بقدر ما أملك من قوة أتوكأ عليها، وبكل انهيار روحي الخفي، وعطشي الموارب لغيمة ماطرة تُظللني لا أن ترويني.. بصبري الذي تجاوز وفاق احتمالي.. بكل احتياجي المعلن والخجول، وقلقي الذي نما في روحي كنمو غابة استوائية.. بكل حناني المزمن.. وتعب قلبي القديم الجديد!.