الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

ازدواجيّة الفعل.. والاستعداد للرحيل

هناك آية في القرآن اختصرت حقيقة الدنيا الزائلة، هي قول الله تعالى: «تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚوَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ» (سورة: القصص- الآية: 83)

والموت -كما نعرف- حقيقة حتمية لا يمكن إنكارها، وبالرغم من هذا لا نعيرها اهتماماً بالغاً، وننساها في خضم الحياة اليومية التي تأخذنا يميناً وشمالاً، مصداقاً لقوله تعالى: «ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون» (سورة: الأعراف- الآية: 34)، ولقوله أيضاً: «كل من عليها فانٍ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام» (سورة: الرحمن- الآيتان: 26- 27).

من ناحية أخرى، فإن حقيقة الفناء والعدم تأتي قبل الحياة مصداقاً لقوله تعالى: «الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ» (سورة: الملك، الآية: 2)، فقد تم تقديم الفناء والعدم على الحياة كالنطفة والتراب ونحوه (القرطبي)، ثم إن العدم يسبق الوجود وإليه تنتهي الكائنات بعد الحياة فهي محشورة بين فناءين، وما الحياة إلا قطرة من بحر العدم، أما الحياة ما بعد الموت التي تؤكدها الديانات السماوية وعلى رأسها الإسلام فهي الدوام والسرمدية، وما هذه الحياة إلا للاستعداد لحياة الأبد التي لا تنقطع.

لكننا في غمرة ساهون وعن آياته معرضون، ويعيش الواحد في الدنيا كأنه لن يفارقها وننغمس في ملذاتها وتلهينا زخارف الدنيا ومباهجها عن المآل الحقيقي الذي نصير إليه عاجلاً أم آجلاً، فإذا فجعنا في الوالدين أو الإخوة أو الأقارب نصدم أمام حقيقة الموت ومرارته، ولكن الإنسان بطبيعته النسيان، حيث تمضي أيام الحزن، ويعود من جديد إلى الغفلة واللهو.

الملاحظ أننا اليوم، نعيش ـ نحن المسلمين ــ حالاً من الازدواجية بما ينافي تعاليم الإسلام، ونؤدي واجباتنا الدينية كطقوس احتفالية من العادات والتقاليد، حيث لا تتعدى كونها موروثاً ثقافياً غير مدركين لجوهرها، فلو كان المسلمون ملتزمين حقاً، ما كانت لتغويهم أو تغريهم زخارف الحياة وملذاتها، ذلك لأن الاستعداد للآخرة لا يعني نبذ الحياة الدنيا، بل العيش فيها، والسعي من خلالها إلى الآخرة وجنَّة الخلد.