الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

لا تحكم على الآخرين

يهمُّنا كثيراً تصنيف الآخرين بناء على تعاملنا معهم والتجارب التي ربطتنا بهم، فنحن بذلك نظن أننا نحدد كيفية التواصل معهم ومجالات التعاون التي يمكن أن ننجزها معهم، ومداها أيضاً، وبالتالي نصل إلى صيغة اجتماعية (عقلانية) لضبط علاقاتنا بالآخرين، لكن الخطأ الذي نقع فيه هو محاولاتنا الحكم على الآخرين، وبناء تصورات عنهم، سيئة كانت أم جيدة، ومن ثم ترويجها عنهم بين الآخرين.. نحن نحكم على أقاربنا، وأصدقائنا، وزملائنا في العمل، نحولهم إلى قوائم مختلفة بيضاء وسوداء وملونة، كل ذلك ظناً منا أنه السبيل لبناء علاقات ناجحة آمنة مع المحيطين بنا.

ما معنى أن يكون الشخص سيئاً؟.. هل هو سيء بالفعل، أم أنه سيء بالنسبة لتركيبتنا نحن وطبيعتنا؟ وما معنى أن يكون الشخص جيداً؟.. هل هو جيد بالفعل أم أنه يناسبنا ويحقق مصالحنا الذاتية؟

حين نطلق أحكامنا على الآخرين، فإننا نبنيها استناداً إلى تحليل كلامهم، أو ظواهر سلوكهم، أو تاريخهم الشخصي والأسري، أو ما قاله الآخرون، وأحياناً، مدى استفادتنا منهم، وقليلاً ما نهتم بفهم تركيبتهم الشخصية، وبواعث سلوكياتهم، وخلفيات تصرفاتهم.. إننا نكون معنيين، فقط، بما يعجبنا وما لا يعجبنا، وبذلك، نكون من جهة أخرى غير معنيين بفهم طبائعنا، نحن، ورغباتنا ودوافعنا، إذ إن علاقاتنا وتعاملاتنا مع الآخرين هي مزيج بيننا نحن وهم، وليست انعكاسهم لطرف واحد فقط.

حين نقسو في إطلاق الأحكام على بعض الذين تبدر منهم سلوكيات غاضبة أو منغلقة أو مؤذية، فنحن لا نعلم إن كانوا يعانون من أزمة أو ظروف قاهرة، وحين نبالغ بتقدير من يتزلفون إلينا، فقد لا ندرك المصالح التي يخططون لها، فنحن لا نملك حقيقة الآخرين، ننسى أننا بشر محدودون مثلهم، تتغير أمزجتنا، ونمر بمعاناة متكررة، ونخطئ، ونجهل، ونضعف، وتعترينا رغبات كثيرة، لكننا لا نحكم على أنفسنا، بل ننصِّب ذواتنا معياراً يُقيّم الآخرون بالقياس عليه، ونحكم على الآخرين بمعزل عن إصدار أحكام على ذواتنا.

فهم الآخرين واستيعابهم، وإدراك بنية الاختلاف بين البشر، وظروفهم، وأهدافها، وترفّعنا عن صغائر التصرفات، يجعلنا أكثر تسامياً في علاقاتنا المتعددة، وأكثر بُعْداً عن شخصنة الأمور و«تذويت» القضايا، وهو السبيل لضبط المسافات بيننا وبين من نتعامل معهم، وهو الحل لحمايتنا من سوئهم أو انتهازيتهم، إذ سنكون معنيين بتحقيق أهداف علاقاتنا بهم، بدل الانشغال بكشفهم أو تجميل شخوصهم.. سنهتم بجودة الحياة وإنجازنا فيها، بدل الانشغال بالآخرين وتتبعهم من أجل الحكم عليهم.