السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

الاجتهاد الجماعي.. صيانة وتنمية

العمل بالاجتهاد الجماعي، وفي المسائل الدينية الحادثة، من أشد الأمور ضرورة، وما يقويها الحديث الشريف الذي أخرجه الإمام الطبراني في الأوسط، وفيه عن سيدنا سعيد بن المسيب عن سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، قال: قلت: يا رسولَ الله إنْ نزلَ بنا أمرٌ، ليس فيه بيان أمرٍ ولا نهي؛ فما تأمرني؟ قال: «شاوروا فيه الفقهاء والعابدين ولا تُمضوا فيه رأيَ خاصة».

وروى الطبراني أيضاً عن سيدنا عبدالله بن عباس، رضي الله عنهما، قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنْ عُرِضَ عليَّ أمرٌ، ليسَ فيهِ قضاءٌ في أمرِهِ، ولا سنةٌ، كيفَ تأمُرُني؟ قال: «تجعلونهُ شُورى بينَ أهلِ الفقهِ والعابدينَ منَ المؤمنينَ، ولا تقضِ فيهِ برأيكَ خاصّة»؛ وبطبيعة الحال، هذا الأمر الجلل، ليس لعوام الناس، أو من لا صلة له بفقه الواقع وفقه التوقع، بل هو أمر منوط بالذين جمع الله لهم بين العلم والتقوى، والذين يعرفون قيمة الشورى والتشاور في الحال والمآل.

الاجتهاد الفقهي قبل تأسيس المذاهب الفقهية في عصر التابعين، كان يتمثّل غالباً في الاستنباط من القرآن الكريم، ثم من السنة المطهرة، ثم من فتوى لصحابي عاد فيها للمصلحة، والقياس، والعمل بالرأي، معتمداً على قول الحق تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ۚ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ} (سورة: الحج ـ الآية 78)؛ تلا ذلك ظهور المذاهب الفقهية، والفرق الكلامية، التي أنتجت للأمة تراثاً فقهيّاً ومنهجياً بالغ الثراء، تراكم خلال فترات زمنية خالدة.

اليوم.. الناس في أمس الحاجة إلى صيانتهم من الوقوع في فتنة المتمشيخين المزيفين، والجاهلين، والمتطرفين، وإنه لا مانع من الاجتهاد وإصدار القوانين المنظمة لحياتهم، دون المساس بأي حكم قطعي في الشرع، فما تقضي به مصالح الناس، ولا يخالف الشرع، هو من صميم الحكم به.

أختم.. بأن على المخلصين الصادقين من العلماء، أن يستمروا في القيام بواجبهم في الاجتهاد، شريطة أن يكون ذلك بوعي صارم، وانسجام تام مع الأنظمة والدساتير، ومراعاة مستمرة لمصالح العباد والبلاد، خاصة أن ظروف الحياة اليوم تختلف اختلافات جوهرية مع ظروف الحياة التي تعامل معها المجتهدون في قضايا وتحديات القرون الماضية، وهو ما يفرض التذكير دائماً بأن الدين عامل للتقريب والوحدة والتنمية.