السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

الغياب.. والخسارة

نعيش أيَّاماً نستيقظ فيها كل صباح على خبر غياب صديق أو قريب، أو شخص مؤثر في حياتنا، إنسانياً أو ثقافيّاً أو اجتماعيّاً.

وللوهلة الأولى لا نشعر بحجم الفقد وحجم الخسارة، والزمن يخفف أثر الفقدان، إلا أنه أيضاً وفي أحيان كثير يكشف حجم الخسارة.

لم أحزن كثيراً عندما توفي الموسيقار محمد عبدالوهاب، أو بشكل أدق لم أكتشف حجم الخسارة بوفاته أو القيمة التي غابت بغيابه، ولكن تلك القيمة وإدراك حجم الخسارة أتيا في مرحلة تالية.


البقاء على الساحة لفترة طويلة ـ أي بقاء الشخص ـ قد يصلح مبرراً لتراجع حجم الحزن أو عدم إدراك حجم الخسارة، وطول البقاء على الساحة يعطي الإحساس للمعاصرين بأن ذلك الشخص الذي احتل الساحة قد طال بقاؤه، لذلك فإن غيابه لن يكون مفاجئاً أو خسارة، بل قد يكون رغبة كامنة لا تملك أن تفصح عن نفسها ـ أو قد تفصح أحياناً ـ ولسان حال صاحب هذه الرغبة الكامنة يقول: «كفاية كده».


لكن بعد الغياب تبدو الصورة خالية من جزء مهم فيها، ويعاد اكتشاف القيمة الحقيقية للأشخاص الذين قد نشعر تجاههم بالملل أو بأنهم عاشوا أكثر مما ينبغي، ويصبح من الصعب تخيل العالم المحيط بدونهم.

هذه الأفكار انتابتني خلال الفترة الأخيرة عندما كثر الحديث عن مستقبل فلسطين والقضية برمتها، عندها قفز إلى الذهن ياسر عرفات، وقد يكون عرفات أحد تلك الشخصيات التي ينطبق عليها ما ذكرت سابقاً، تلك الشخصية التي يعتقد البعض أنها أطالت البقاء، وأن خروجها أو غيابها أصبح مطلباً من العديد من الأطراف المحيطة بها أصدقاء وأعداء، بل إن الإحساس ذاته قد يكون موجوداً لدى البعض من المتابعين العاديين، لكن الأمر الأكيد أنه في لحظة الغياب وبعدها، اكتشف الجميع أن العالم لن يكون كما كان قبل غياب ياسر عرفات.

المرة الأولى التي التقيت فيها بعرفات كانت في نهاية ثمانينيّات القرن الماضي، في أحد قصور الرئاسة المصرية، وكان الموعد المحدد للقاء حوالي الثانية صباحاً، ورغم اقتراب نهار اليوم التالي إلا أن «أبوعمار» كان يقظاً متنبِّهاً بشوشاً.. سمعت منه في تلك الليلة ما اعتدت على سماعه عن دولة فلسطين، ووعده الدائم لكل من يلتقيه بأن يُصلّيا معاً في المسجد الأقصى.. غاب أبوعمار، وبعد غيابه ظهر الإحساس بحجم الخسارة.