السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

حياة «فيليه».. وكائنات رخوية

أعرف شاباً لا يحب السمك بشوكه، يحبه «فيليه» أي مَخْلياً من الشوك، وشابة لا يمكنها تناول الدجاج سوى «فيليه» أي مَخْلياً من العظم، وصغيراً يحب الزيتون جداً؛ لكن نواة الزيتونة تزعجه، لذلك يفضل الزيتون «الفيليه».

عندما ذهبت إحداهُن لشراء أريكة لغرفة ابنتها وكانت قد اصطحبتها لتختار ما يروق لذوقها، حينها لم تختر ابنتُها سوى ذلك النوع من الأرائك الشبيهة بكرةٍ محشوة، كيفما جلست عليها؛ أخَذَت شكل الأريكة، فهي بلا قوائم خشبية، بمعنى أن الأريكة أيضاً كانت «فيليه».

الأمر ذاته تكرر مع ابنها حين اختار لوحة لغرفته، فقد اختارها سيريالية يمكنه تعليقها بالطول، أو بالعرض، أو من أي زاوية، في كل الأحوال سوف يرى فيها بقعاً لونية تُزيِّن جدران الغرفة وتتوافق مع فرشها.


ما بال هذا الجيل الذي لا يريد سوى السهل، سهل الأكل، سهل الاستعمال، لا نواة فيه ولا شوك ولا عظم ولا خشب ولا اتجاه؟.. كل الاتجاهات ممكنة، هل هو العصر الذي لم تُقصِّر الصناعة فيه لتوفيرِ كل ما هو سهل، تليها منافسة لإنتاج الأسهل، لنجد استجابة من المستهلك وجُلُّهُ من فئةِ الشباب والأطفال، وخاصة أن الثقافة التي يتلقونها من الإعلانات تغرس فيهم ذلك، فهي تدعوهم دوماً للبحث عن الأسهل، والأقل جهداً، وتكرر على مسامعهم عبارة.. «دون تعب».


في الماضي كانوا يرددون: «لا يصنع الرجال إلا المصاعب»، ولكن.. الآن مع حياة بلا مصاعب، من عساه يصنع رجالنا؟ كي لا يستقبلوا الحياة ككائنات رخوية لا يمكنها مجابهة التحديات أو بناء أوطان.

فأبناؤنا مع الأسف، يريدون الحياة «فيليه» على طبق من فضة.