الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

الدين.. والالتزام الديني

كلمة «دين» تعني عند الجمهور: «ما فرضه الله على العقلاء»، وقد شُرع ليُتقرب به إلى الله تعالى بفعل العبادات، وترك الفواحش والمنكرات، ومراعاة الحق والعدل في المعاملات، وتزكية النفوس وتصفيتها، وإعدادها لتجاوز الحساب في يوم المعاد.

التاريخ يشهد أن الخوف على الدين من الدنيا ظهر مُبكِّراً، ومنذ عهد الصحابة، رضوان الله عليهم، وبالرغم من أن الدين يعد أهم عنصر للتعديل والاعتدال، إلا أن النظرة الضيقة له ترسَّخت كثيراً، وصار مقصوراً على جملة من العبادات والطقوس، وفي الوقت نفسه كان هناك تعمد لفك الارتباط بين الدنيا والآخرة.

الدين، وكما يفهمه العقلاء، يقوم على العلاقة بين المخلوق وخالقه، عز وجل، وهذه العلاقة لا تقتصر على ذلك فقط، بل تأخذ في الاعتبار سياق الدنيا كلها، من مثل العلم بأن ثمار العبادات تصبُّ في صالح الفرد والجماعة، وكما يقال: «الصلاة عماد الدين»، كذلك يقال «الدين المعاملة».

العلماء اهتموا بالعلاقة بين العبادات والمعاملات والأخلاق، وبيَّنُوها كثيراً، ومن مفهوم منطوقهم نفهم أن الإنسان السوي مدعوٌّ للالتزام بالشروط المترتبة على إيمانه، وعلى صلته بربه، والمساهمة مع غيره في التقدم المادي والفكري والسياسي لوطنه وللعالم كله، مع حفظ لحياة الناس من القتل والعدوان، وحفظ للنظام، والقيام بواجب ضمان السكينة اللازمةِ للتعبد والمعاملات، وعدم الخوف أو الجوع، والمحافظة على العقل، وحمايته مما يؤثر فيه سلباً.

المقصود بالعقل آنفاً، الوعي بكل ما فيه صلاح الإنسان، وحمايته من اتِّباع هوى الأطماع والعصبيَّات، والحفاظ على التوازن المعنوي، وبذل الجهد في فهم ما يشاع من مصطلحات، راجت يوماً، وأريد بها باطل استمر طويلاً؛ ومنها مصطلح (الحاكمية) المحدث في دين الله، والقول بـ(اللاَّمذهبية)، الذي أريد منه خلق فراغات لاستغلال بغيض، ومصطلح (السلفية)، الذي استعمل لهدم الاجتهادات النوعية التي بناها عقلاء المسلمين، ومفهوم (الولاء والبراء) الذي حرفه قائلوه لصالح إثارة الفتنة والاقتتال، والقائمة تطول.

من يفهم الالتزام الديني، يفهم أنه باب ليكون الإيمان والحكمة والسلوك معادلة واحدة، وبدون هذا الاقتران سيتعرض الدين وتعاليمه للتحريف والتأويل والانتحال، وستمشي أموره خالية من مقاصده، وستُستغل للتشويش على الناس، من خلال تلبيسات كثيرة، كالتحريض على مفارقة الجماعة، أو تضخيم الخلافات الجزئية الفرعية، حتى يخرج الورع من القلوب.