الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

الجائحة وبقايا إنسان..

حلت الجائحة، فتبدل حال البلاد والعباد، وانقلب نمط الحياة، وتشكلت نسخة جديدة من كوكبنا، وسال المداد يخط على السطور من التأملات والقراءات والتحليلات في أدب الجائحة وزمن الجائحة، ولعل أخطر ما نرصده في هذا المقام هو تداعيات التباعد الاجتماعي، والجفاف العاطفي، والصراع من أجل البقاء.

حلت الجائحة، وقيل إن النجاة في التباعد الاجتماعي، فأتى على المرء يوم يفر من أخيه وقريبه وصاحبه وجاره، وسيطر الخوف والتوجس على لقائنا بالآخرين، ودون أن ندري فقد بنى التباعد الاجتماعي جسرا من التباعد النفسي والعاطفي والوجداني، والانكفاء والانشغال بالذات.

حلت الجائحة، وتحول الإنسان الذي كان بالأمس القريب كتلة أحاسيس تُذيب ثلج جفائه، وتخمد نيران غضبه، وترسخ جسورا من الود والتواصل الإنساني، مصافحة يد أو لمسة كتف، أو حضن، أو قبلة حانية، إلى آلة روبوتية عليها احتساب المسافة التي تفصلها عن الآخرين، والالتزام بروتين يومي للتباعد والتعقيم، والاختباء وراء كمامة؛ فارتفع معدل الأنا، وتغيرت الديناميكية الاجتماعية التي تقوم فيها العلاقات على التقارب والتآلف لتحقيق الإشباع العاطفي الذي فُطر عليه الإنسان، وأصبح تباعدوا تصحوا سيد الموقف.


حلت الجائحة، وهام الكثيرون على وجوههم خلف الشاشات الالكترونية بين تشَتت العواطف وفوضى الحواس، فاهتزت وتزعزعت القيم الإنسانية، فعمَّ الفشل في انتقاء الكلمة، واحترام الكلمة، والوفاء بالكلمة، وغياب التواصل الإيجابي الراقي.


وتاه الكثيرون عن الهدف من القنوات الإلكترونية والمنصات الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي التي لملمت شتات الناس وقربتهم في هذه الظروف الحرجة، وأصبحت معين لا ينضب للمعرفة والعلم والترفيه أيضا، وإلا لأصاب الإنسان انهيار في العلاقات الاجتماعية، واندثار في الروابط الإنسانية، وكساد في الذاكرة الثقافية، وشلل في التنمية الحضارية.

والآن يأتي السؤال، ما الأثر الذي سيخلفه تجاوز الجائحة في فضاء العلاقات الإنسانية؟، وما تداعياتها على الإنسان نفسيا وفكريا وسلوكيا واجتماعيا وحضارياً؟، وهل ستفرز إنساناً بمواصفات مستجدة لم نعهدها؟، والأهم هل حقا ما تبقى من الإنسان لا يزال إنساناً يمتلك الإيمان، ويحيا بالإحسان، ويتعايش مع الأنام؟، أم ما تبقى أقرب الى آلة مشوهة الملامح، ومبتورة الأوصال، وساكنة بلا نبض؟

ما أشد غربتنا حين نستيقظ ذات إصباح وقد صارت الجائحة طيّ ذاكرة النسيان، لنبحث آنذاك عن بقايا الإنسان الذي كان...! فهل حقاً أدركنا أننا ضيوف هذه الأرض وليس أسيادها؟