الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

اختبار الإنسانية

الحروب ليست كلها دمار وبارود ودماء تسيل على الأرض لتأتي على الأخضر واليابس، وليست كلها قذائف تهدم البيوت، ورصاصات تخترق جدرانها.

والحروب ليست أيضاً كلها «باردة» كالتي حدثت بين المعسكرين الكبيرين في العالم، أمريكا والاتحاد السوفيتي سابقاً، أو «مكتومة» مثل الحرب الدائرة الآن بين المعسكرين العربي والإسرائيلي.

فالحروب أحياناً تكون مفيدة للبشرية، مثل تلك الحروب التي نراها بين شركات إنتاج لقاحات كورونا على مستوى العالم، ومن ورائها تقف دول كبرى داعمة ومحفزة.


الآن، وبعد الاقتراب من مرور سنة على الإغلاق التام الذي لجأت إليه معظم بلدان العالم، وأكثرها تقدماً، ما أدى إلى أزمات اقتصادية كبيرة، صارت حرب إنتاج اللقاحات أكثر ضراوة، ليس فقط للفوز المادي المالي، أو المعنوي السياسي، بل لفوز إنساني، فالعالم فعلاً يحتاج إلى إيقاف شراسة وضراوة هذا الفيروس، حتى يتسنى للبشرية أن تستأنف نشاطها بشكل اعتيادي، وأن تتم عملية المعايشة معه بشكل طبيعي، كمعايشة الإنسان مع غيره من الفيروسات العادية، مثلما قال المسؤولون عن منظمة الصحة العالمية أخيراً.


هذه ربما تكون الأمنية الرئيسية لتلك الشركات، وقد تكون إحدى أمنياتنا العديدة في عصر اللقاحات المفتوحة، أسوة بالسموات المفتوحة، لكن من أمنياتنا أيضاً أن يصدق العالم ومؤسساته بما وعدت به من توزيع عادل للقاحات، خصوصاً للبلاد الأكثر فقراً واحتياجاً.

بالتأكيد الأمر يخضع لسطوة الثراء والنفوذ السياسي والاقتصادي، ولكن من حقّ الجميع أن يحصلوا على نسبة مقبولة من اللقاحات، وهذا دور المؤسسات الدولية الأممية، التي كثيراً ما تدعي العدالة، وهي محقة في بعض ما تدَّعيه، ومُخيفة في البعض الآخر.

المهم الآن، هو كيف يمكن أن نصل إلى الدرجة التي يتمكن العالم فيها من توفير اللقاح لكل العالم، ذلك أن الأغنياء مشغولون الآن بتوفير ما يحتاجه مواطنيهم، فيما تحاول دول العالم الأقل قدرة على تواصل ما يمكنها من لقاحات في ظل ظروف اقتصادية خانقة، وهنا يأتي ما يعتبر المسؤولية التضامنية الإنسانية المفترضة من الدول الأغنى نحو الدول الأكثر احتياجاً.

هذا اختبار إنساني يواجهه العالم لمعرفة مدى تضامنه، وتبقى كل هذه أمنيات مشروعة، في زمن أثبت العلم فيه أهميته الكبرى للتقدم وللنجاة أيضاً، وأنه القادر على إنقاذ العالم.