الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

شعرة الهدر.. والتكيّف

في عالم مادِّي يقايض مصلحة بأخرى، قد يغيب عن الأذهان أن مساراً كهذا يشجّع العامة من الناس على التهافت المحموم صوب الماديات، ويقوّض مع مرور الوقت حاجتهم للاعتبارات الأخلاقية التي يجب أن تأتي أولاً، كما يضعف عزيمتهم نحو الخطوة الجادة، بعيداً عن هامش الحياة ودونية المقاصد، فتنشأ بين الناس صراعات وإن وقعت تحت ظرفٍ مادي، إلا أنها تكشف مغالطات فكرية مخيفة، وتجاوزات أخلاقية لا تقل عنها في الرعب والإرباك.

إن استدعاء العقل مقاربات يحتاج إلى قوة لإعادة ربط ما تضرّر من صور ذهنية ينشأ عليها المرء في صغره، في محاولة للتشبّث بهذه الهوية وما تحمله من قيم، وإعادة دمجها في واقعه المعيش.

وهذه العملية أشبه ما تكون بمحاولة إنقاذٍ ما تلبث أن تفشل حين يدرك المرء أن أي شعار لا يستقيم بالضرورة مع الواقع. وهذا ليس ذنب الشعار ولا الواقع، بل أنظمة التشغيل التي تحتاج إلى إعادة نظر وتجديد.


نلوم الفرد على إغراق عقله في تفاصيل التشغيل هذه ومكامن الخلل، وقد ندعوه لإهدار ذاته في سبيل فرص أخرى برّاقة، وهذا وإن بدا حلاً آنيّاً، إلا أنه يبقى مطمعاً قائماً على المصلحة الشخصية، فنظل ندور في دوامة الماديات هذه بلا حل، فلا نمكّن هنا الفرد من الفرصة، بل نمكّن الفرصة من الفرد، وهذا ما يعزّز هيمنة الفرص عليه فيقع أسيرها ولا يتخلّى عنها إلا ببروز فرص مادية أخرى، فيُلقي بالأولى ويهرول صوب الثانية.


ومع تكرار هذه الهرولة يحدث هدرٌ قيَمي في سبيل التماهي مع متطلّبات العصر، ويلتبسُ الأمر على البعض فيسمّون هذه الحالة بالتكيف. لكن بين التكيف والهدر شعرة.