الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

تشظيات أنثى قلِقة

لا أدري متى نبتت فيّ بذرة القلق، وكيف انتشرت هكذا، وتسلقت رأسي، وقلبي، كنبتة «الحبّاية»، حتى إني تيقنتُ بأنّ كل من يُولد هشّاً، أو قبل أوانه مثلي، سيصبح مع بدايات تفتق الوعي والوقت، أرضاً خصبة لنبتة «القلق».. فكيف إن نبتت فيكَ بحجم شجرة، معمّرة، عملاقة، واستوطنت كل مساحاتك البِكر فيك؟!.

شاء قلقي، أن تكون له سمة «القلق الأمومي»؛ أنا التي لم تنجب بعدُ.. كم شقيتُ بحناني!، أن يُركّعك حنانك إلى الحد الذي لا تعود ترى، أو تشعر بنفسك، أو تلتفت لحاجاتك، لذاتك، للنزف الذي تواريه، بعباءة، كل رتق فيها بحجم وجع الأمهات الثكالى!.

لا أحد يعي، أو يستوعب، ماذا يعني، أن تكون كائناً قلقاً، تعنيك تفاصيل التفاصيل، الانتظار محرقتك، وما ورائيات كل حدث، وما قبله، وما بعده، تشعل رأسك، وقلبك، بتأويلات غيبية، تُثقل روحك.. تصادر مكامن هدأة نفسك.. تسرق من عينيك سِنة نوم لذيذ.. تُصفّد أسراب الحمائم، البيضاء، المنطلقة في صدرك إثر فرح مباغت، يحرمك لحظات استغراقك، العميق في التفكير في اللاشيء؛ أن تستسلم، مؤقتاً لشغبك الطفولي!..

قلق أمومي، هو أن تبقى مشغولاً بذلك الآخر، الذي لا يدري حجم حبك له، ولا يستوعب قلقك في غيابه، والشغب، الذي يتلبسك، كلما اتسعت هوّة الغياب، من مغبة أذى ألمَّ بك.

لستُ سوداوية، ولكن صمام الأمان مفقود لديّ، ولم أدركه بعد، منذ أول فقد قسري في حياتي، ذلك الفقد الذي يجعلك تكبر قبل الأوان، وأن تكون على أهبة الحذر، وأنك لستَ في مأمن من السقوط في مدارك الخوف السحيقة!.

أدركتُ، وبعد كل مرحلة استنزفتني قلقاً، أن القلق قيد من تعب، محرقة عظيمة لأجمل ما قد يحظى به الإنسان من مُتع، وفرح قد لا يتسنى له أن يحظى به في أي مرحلة لاحقة من عمره، طالما كان للفرح، ولكل متعة طعمها، الخاص، الذي يشبهها!.

أدركتُ أيضاً، وأنا أرفع راية تعبي، وبعد إقراري بغبائي، أن لا شيء كان يستحق قلقي عليه، أو انشغالي به، أو أمنحه الفرصة لاستغلالي عاطفيّاً، إلى الحد الذي أصبح فيه عاجزة عن ترميم ذاتي، فلا شيء يستحق قلقي، اليوم، سواي!.