الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

الحديث الشريف.. وحي وتشريع

كل الأمة مجمعة على أن القرآن الكريم هو المصدر الأول للتشريع الإسلامي، وكما أن المسلمين في حاجة لمعرفة كتاب ربهم، سبحانه وتعالى، هم أيضاً في حاجة لمعرفة السنة النبوية، لأنها المبينة للمراد من الآيات المجملة أو المطلقة أو العامة.

ومن المسائل المهمة المتعلقة بموضوع الحديث الشريف، أن الحديث لم يكن يدون في أيام الرسول، صلَّى الله عليه وسلَّم، كما دون القرآن الكريم، والنهي عن ذلك كان (تنزيهاً)، ولم يكن (محرماً)، بدليل سماحه، صلَّى الله عليه وسلَّم، بكتابة بعض الأحاديث في حياته لأهل اليمن وكتابته لملوك وأمراء عصره، ما يعني جواز الكتابة، وأن المنع منها كان للتفرغ إلى تدوين القرآن العظيم.

عدم كتابة الحديث وتدوينه دفعت بعض الناس إلى الاجتراء على وضع الحديث ونسبته كذباً إلى رسول الله، صلَّى الله عليه وسلَّم، وهذا كثر بعد الفتوحات الإسلامية، وبعد دخول ضعاف الإيمان وذوي الأهواء والمصالح في الإسلام، وكان كذلك بسبب الخصومات السياسية، والخلافات المذهبية، ومجاراة البعض لأهواء الحكام، واجتهاد البعض في وضع أحاديث الفضائل عن حسن نية.

وبالرجوع إلى (علم مصطلح الحديث الشريف)، يستطيع المنصف أن يجزم بأن الحجج التي قدمها منكرو حجيَّة الحديث النبوي الشريف باطلة، لأن علماء الأمة، ابتداء من عصر الصحابة، رضوان الله عليهم، ومروراً بزمن تدوين الحديث، وإلى هذه الأزمنة المتأخرة؛ بذلوا جهداً عظيماً في توثيق كل ما نسب إلى رسول الله، صلَّى الله عليه وسلَّم، ووضعوا من أجل تحقيق ذلك علم مصطلح الحديث ومستلزماته، الذي يسمى كذلك (علم الجرح والتعديل)، ووضعوا قواعد عامة وشروطاً معينة تمكن من تمييز الصحيح من الفاسد، وصاروا بذلك أول من وضع قواعد النقد العلمي الدقيق للأخبار والمرويات في التاريخ البشري.

أختم بقول الحق، سبحانه وتعالى، في الآية رقم (59) من سورة النساء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}.

ويقول صلوات ربي وسلامه عليه، فيما رواه الإمام الترمذي: «ألَا هلْ عسى رجلٌ يبلغُه الحديثُ عنِّي وهوَ متكئٌ على أريكتِه، فيقولُ: بيننا وبينكم كتابُ اللهِ، فما وجدنَا فيهِ حلالًا استحللنَاهُ، وما وجدنا فيهِ حرامًا حرمناهُ؛ وإنْ ما حرَّمَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كمَّا حرَّمَ اللهُ».