الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

صديق العمر

كثيرون لا يؤمنون بوجود صداقة حقيقية، أو بوجود أصدقاء كثر، أو بنجاح صداقات العمل وصداقات المصالح أو صداقات ذوي القربى، هؤلاء ينظرون إلى الصَّداقة باعتبارها حالة خاصة خارج الأُطر والمعايير، قد تأتي صدفة، فجأة، وقد لا تأتي، لكنها ليست كما هي على أرض الواقع.. كثيرة، متعددة، متغيرة متجددة.

محظوظون هم الذين لديهم أكثر من صديق حقيقي، محظوظون من تستمر صداقاتهم لسنوات طويلة وتصمد أمام كل رياح التغيير والأزمات والانكسارات والتحولات، محظوظون من يقولونها بكل ثقة عن أحدهم إنه صديق العمر، هؤلاء المحظوظون يتمتعون بسكينة واستقرار نفسي حين يجدون بقربهم شخصاً أو أكثر استمرت معه وشائج المحبة والتفهم والتسامح والعطاء لعقود متتالية.

لا تعني الصداقة قدرتنا على التواصل مع الآخرين والتداخل معهم في لقاءات ومناسبات متعددة، لا تعني الصداقة أن تكون محاطاً بالكثيرين، فطبيعة الحياة العملية والمنفتحة تعرض أمامنا الكثير من الأشخاص ممن ستربطنا بهم أسباب عديدة، ولكن أن يمثل أحدهم وجوداً خاصاً وركيزة مهمة في حياتنا فتلك مسألة أخرى.


قد تصادف البعض ممن يرغب في صداقتك كرقم عددي يضيفه إلى مجموعة معارفه، أو رقم نوعي يزيد به قائمة المميزين ممن يتعامل معهم، سيمثل لك معرفة جديدة لكنه لن يكون إضافة وامتداداً لطبيعة حياتك وظروفك ومزاجك واهتماماتك، وقد تقابل من يتعلق بك ويفيض عليك باحتياجه لوجودك قربه، لكنك قد لا تملك في حقيقة الأمر ما تمنحه إياه من اهتمام ومشورة ومساندة، بل إنه قد يصبح عبئاً عليك، فالصداقة هي احتياج متكافئ وقدرات متساوية على التعامل مع الطبائع والظروف المختلفة.


ليس صديقاً من يتعلق بك لتسعفه، وليس صديقاً من تتعلق (أنت) به ليسعفك، فالعلاقات القائمة على بث الشكاوى والبوح بالهموم والآمال علاقات «مُتشرخة» لا يلتئم بعضها مع بعض، لأنها لا تخلق الراحة والفرح وقد لا تشعل مصابيح السعادة في أرجاء الطريق.

أسوأ من نعتقد أنهم أصدقاء يمر الوقت في صحبتهم، وفجأة وعلى حين أزمة يتخلون عنا في منتصف الطريق، كأننا لم نكن يوماً، لا نِصْف صديق في الصداقة، ليس هناك صديق في الرخاء، وآخر للشدة، الصديق من يتواجد معك مثل كوب الشاي أو القهوة، متواجد في كل مكان وفي كل وقت، قد يبدو مفيداً جدّاً ومهماً في بعض الأوقات حتى إن لم يكن ذلك صحيحاً من الناحية العملية والعلمية، ولكن ما يميز كوب الشاي أو القهوة هو الخفة والأثر النفسي المريح.