الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

«عيد الأم».. والجائحة

يرتدي شهر مارس من كل عام إكليلاً من مشاعر الامتنان والعرفان في يوم الأم، فتنشط المجتمعات بتقديم التهاني والتبريكات، ويعجز اللسان عن الاحتفاء بمعين المحبّة والأمان ونبع العطاء غير المشروط، ويبدأ الجميع بغزل أجمل الكلمات والتعبيرات، وإطلاق أروع الفعاليات والمبادرات لتكريمها، فهي أساس بناء الإنسان ونهضة الأوطان، إلى أن حلّت الجائحة، لتُنزل بالأرضِ البلاء وتُشغل البلاد والعباد، ويهيم الجميع على وجوههم بحثاً عن الخلاص، وتخوض الإنسانية جمعاء ثورتها للبقاء، ما بين عَزلٍ وحَجْرٍ وترقّب اللقاح، إلا الأم ظلت صامدة مرابطة بإخلاصٍ لصوت فطرتها، وفية لنداء أمومتها.

حلّت الجائحة، فكانت ولا تزال الأم صمام الأمان الأول لأبنائها، ودرعاً آمناً لأسرتها، أحالت بيتها قلعة منيعة ضد العدو الخفي الذي آثر أن يهاجم كوكبنا في شهر عيدها، فكانت اختصاصي المطهرات، وعامل التنظيفات على مدار الساعة، وممرض الحجر الصحي، واستشاري الطبّ البديل لكل من ارتفعت حرارته أو أصابته أعراض الزائر الفيروسي العنيد، طبيبهم النفسي كلما أصابهم الضجر أو الأرق أو الاكتئاب، وبقيت الأم سنام الإبداع والإنتاج والإخراج لأنشطة الأسرة داخل البيت والترفيه حتى لا يمل الصغار من التباعد والعزلة بفعل الجائحة.

حلت الجائحة، وأرغم الطلبة على استكمال التعليم عن بُعد، لتقوم الأم بدور المعلّم والموجه والمدير، ولكل المستويات وبكل اللغات، فتشرح طلاسم قواعد سيبويه النحوية، وتفك معادلات الجبر الرياضية، وتفهم الفلسفة والفيزياء، وتُبحر في نظم المعلومات والتكنولوجيا ومنصات التواصل «زووم» و«مايكروسوفت تيم» وغيرها، حتى اكتسب المثل القائل إن «الأم مدرسة» معنى حرفياً آخر؛ لتثبت الأم أنها معين لا ينضب، ولا تعرف المستحيل، تستحضر فيها صبر أيوب، وتستدعي عطاء الأم تريزا، وإبداع المتنبي، وفلسفة أفلاطون، وإصرار الملاح العتيق على مواصلة الرحلة بإيمان ويقين وصبر العارفين.. حلت الجائحة، لتقول الحمد لله إنني عشت زمانها وأنا أرفل في حضن أمي، وأرمي رأسي المثقل على صدر أمي، ويلهمني صبر أمي، وأحظى بوجه أمي، ومعية أمي، وصباحات أمي، ومساءات أمي، فعلى بابها تُولد ملامح أحلامنا وأمانينا، وتنكشف مواطن آلامنا وأوجاعنا.


حلت الجائحة، وقد تغير العالم وتبدلت الأحوال، وظلت الأم الثابت الوحيد برغم الحظرِ والتباعد، فهي قارب الأمل المُتجدد وشاطئ الأمان المُفتقد.. حلت الجائحة الجامحة، لتظّل الأم عنوان الحنين إلى شواهد أجمل السنين.. كل عيد والأم هي العيد.