الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

اغتيال مزاج

قليلة هي الأشياء التي يمكنها أن تصنع مزاج يومنا.. وحدها الأشياء التي تعرفك وتعرف سرّها فيك، هي من لها القدرة على تخصيب يومك بفرح ما، وتمنحك شيئاً من الرضا، والهدوء، وبعضاً من الاتزان الذي تحتاجه.

ففي خضم ماراثون الحياة، وصخبها المحيط بنا من كل فج، وحدب، وصوب، نتوق إلى عزلة ما، نسترد فيها أنفاس السكينة في أوصالنا.

قد لا يخطر ببال أحد، بأن هناك بشراً أقصى أمنياتهم من بداية يومهم حتى نهايته، أن يمر هادئاً بلا منغِّصات وحسب؛ دون أن يفرّطوا في مهامهم، أو واجباتهم اليومية.

اغتيال!، كأن تكون منهمكاً في إنجاز واجباتك العائلية، أو المهنية، ويباغتك أحدهم بـ «برودكاست» معاد التدوير غاية في العنف والتوحش، وكأنه كرة من اللهب قذفها في صدرك، ليصادر معها مزاجك وربما طاقتك التي كنت تركن إليها لإنجاز ما أنت ماضٍ فيه.

أو كأن تكون في لحظة انتشاء مؤقتة، لتزيح عنك شيئاً من تعب وعبء يومك، المثقل بصخب الحياة، وظِل أرواح كونكريتية تعترض أنفاسك ما كنت تعرف كيف تتخلص منها؛ لتهديك وأنت تقود سيارتك، موجة أثيرية أغنيتك، المفضلة، كشكل من المواساة، ليأتي من يختطف طعمها من فمك كالغراب، معترضاً حالة مزاج من الصَّعب أن تستعيده بالاستغراق ذاته، والامتنان ذاته، أو تستعيد ذاتك وسكينتها بعد «اغتياله»!

كتبت ذات مرة: «صادر روحي ولا تصادر مزاجي»!، ولا أرَى مبالغة في ذلك، فمصادرة المزاج عندي أشبه ما تكون، بموكب فرح تم اعتراضه من قِبل سائق شاحنة مخمور!

لا يخلو أحدنا من وجع، أو همَّ ما، قد يخفيه البعض منا عن الآخرين بإحكام، وإن لم يتبدّ منه أثر فهذا لا يعني أنه غير موجود، وهنا يلعب ـــ الذكاء العاطفي، والاجتماعي ـــ دوراً في هذا الجانب، في استشعار وجع، وتعب الآخرين المحتمل، ويقيس عليهم ما يقيسه على نفسه مما قد يعترض بني البشر في الحياة، لذلك، يتحاشى المساس بمشاعرهم، أو تعكير صفوهم، أو بالتجرؤ عليهم بمبادرة غير محسوبة ليست في مكانها، ولا أوانها، وربما من الواجب استدراكها قبل أن يقع في إثم حماقة، كحماقة «اغتيال مزاجهم»!.