الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

فقدت الكمامة هيبتها

عندما كنت طفلة كان دخول الطائرة، يمثل لي كَسْب وقتٍ مستقطع من الزمن، أقضيه مع الدهشة والانبهار وكل ما هو جديد ومبتكر، وذلك في ستينات وسبعينات القرن الماضي، ومن أمثلة ما أدهشني، وأثار إعجابي لغرابته الشديدة، توزيع العصير والمشروبات الساخنة في أكواب غريبة مصنوعة من الورق ولها مقبض، نُقَرِّب طرفيه فيصبح ما نسميه أُذن الكوب، هل يُعقل أن نشرب الماء البارد وعصير الطماطم والشاي الساخن، في الورق؟ ثم إنني أعرف كيف تعصُر أمي البرتقال بالعصارة اليدوية، وهي لا تصلح لعصر الطماطم بأي حال، فتولَّد سؤال محير: تُرى كيف يعصرون الطماطم؟ ولا إجابة، وأشياء كثيرة كانت تستهويني في الطائرة من غرائب الأمور وعجائبها، لكنني اليوم أعيش في زمن لم تعد فيه الأكواب الورقية مدهشة، فقدت قيمتها وتميزها، حيث نجدها في كل مكان وبأرخص الأسعار.

نفس الأمر حدث مع الكمامة، كنا لا نراها إلّا في غرفة العمليات يلبسها الأطباء، وكذلك العلماء العاملين في المختبرات ذات التصاميم الأشبه بالمَرْكبات الفضائية، كان لها هيبة ووقار واحترام، لا تجدها إلّا في الصيدليات، أو محلات المعدات والأدوات الطبية، لكنها اليوم فقدت هيبتها وانكمش مقامها الرفيع.

بالأمس جلست النسوة يتحدثن، إحداهن قالت: إنها لا ترميها بعد استعمالها، بل تمسح فيها الغبار، وقالت أخرى: اكتشفت أن الكمامة ممتازة عندما استعملتها مَسّاكة لمقبض الأواني الساخنة، والثالثة اقترحت استعمالها لمقاومة الرطوبة، ورأت أطفالاً يستعملونها لتغطية عيونهم في لعبة «الغميضة»، وبنفس الطريقة يستعملها العامل لأخذ غفوة تحت ضوء الشمس.


وهنا أستعير عبارة على طريقة اليوتيوب «ضاع عمرنا قبل أن نكتشف الاستعمالات اللامتناهية للكمامة».