الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

من ذاكرتي الرمضانية

أغلب الناس لا يزال يحن إلى طقوس وأجواء رمضان في الصغر، فدائماً ما تجد مسحة نستولوجيا محشورة في انطباعهم ما بين أجواء رمضان أمس واليوم، ولا تدري ما الذي تغير، الناس، ومزاج الناس، أم رمضان؟!

فبالرغم من وفرة النِعَم، وتنوعها، وتوسّع المائدة الرمضانية الآن بما لذَّ وطاب، بأصناف من شتّى مطابخ العالم، تجد الناس تشتاق لصحن البيت الواحد.. لقدر الوالدة، الأشهى، الذي يجمع أهل البيت، والجار، والصديق في آن واحد.

سابقاً، وفي الحارات، الشعبية، القديمة، كان الناس يتساعدون في إعداد مائدة فطور رمضان كما هو في مناسبات الأعراس، وهذه العادة الجميلة عشتها، وتلمست طقوسها، وأجواءها بعد تخرجي من الثانوية العامة، حينما قضينا أنا وعائلتي أسبوعاً لا ينسى من شهر رمضان، في مدينة العين، إذ اعتادت نسوة الحارة على التجمع على مائدة الإفطار لوحدهن مع بناتهن، وأزواجهن كذلك يجتمعن على مائدة واحدة مع الأبناء، وكل بيت يعدُّ صنفاً واحداً من الطعام ويتم تقسيمه بين البيوت.

وبعد صلاة التراويح تعاود النسوة الاجتماع على «القهوة»، أو «الفوالة» في أحد البيوت، للسمر في ليالي رمضان، وعادة «القهوة» ما تحتوي على بعض أطباق من مائدة الإفطار، وبعض الحلويات، كالعصيدة، أو القرص، أو اللقيمات، أو الخنفروش، أو ما تجتهد به الصبيات من أطباق جديدة، وهي بحساب أهل المدينة تعد وجبة عشاء، وغالباً ما يكتفون بها، وتغني عن السحور.

اليوم، ولله الحمد، الموائد عامرة بما لذ، وما قد لا يخطر على نفس أحد، مطابخ البيوت تعمل عدا ما يُطلب من خارج البيت، إلاّ أنك تجد هناك شيئاً ما مفقوداً في كل هذا الإسراف، والتكلف، والبذخ، الذي يجعلها تُرفع على حالها غالباً.

باعتقادي، أن الناس ما عادوا يجتمعون حباً ببعضهم بعضاً كما في السابق إلاّ نادراً، وشغلتهم الدنيا، وترفها الزائف، فتجدهم إما منشغلين بين رصد وتعقب أحوال الناس، أو ما بين وسائطهم الافتراضية وتفاهاتها، لربما تتعثر صدفة، بظل أحدهم، يوماً، في كوفي شوب أو مطعم في أحد «المُولات»، فيشبعك عتباً سامجاً على غيابك، وانقطاعك عنه، ويودّعك عجِلاً، ليكمل ضبط زاوية، وفلتر هاتفه، وهندامه، وابتسامته، ويتأكد من ديباجته اللغوية التي سيستودعها متابعي إنستغرامه، أو سنابه، ولا يكاد يستذكر من عَتبه لك شيئاً!