الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

الفلسفة.. وأمراض المجتمعات

ليس من المقبول بأيّ حال أن نحدد إطاراً ضيقاً لمفهوم التعليم، أو نقصر دوره على تلقين الطالب قدراً معيناً من المعلومات وتمكينه من بعض المهارات، لأن مفهومه كما تتفق معظم النظريات الحديثة يتجاوز ذلك بكثير، فهو عملية متجددة وذاتية الدفع، بمعنى أنها تصنع وقودها بنفسها من خلال حركة ديناميكية مستمرة، يتولد منها كل يوم كماً هائلاً من المعلومات والمهارات، وعند هذه النقطة تحديداً من المهم أن نسأل أنفسنا: هل يمكن تغليب جانب معرفي على آخر؟

الدافع لهذا السؤال هو: ما لاحظناه في دول عربية كثيرة من اهتمام كبير بالعلوم التطبيقية، وفي مقابل ذلك إهمال كبير للآداب والفلسفة والفنون، وكانت الذريعة الحاضرة دائماً أن العالم بحاجة إلى أطباء ومهندسين أكثر من حاجته إلى شعراء وفلاسفة وفنانين، وهي ذريعة أثبت الواقع ضعفها، خصوصاً مع حالة التراجع الفكري الهائل الذي شهدته المنطقة العربية في الـ20 سنة الأخيرة.

عندما يمرض الجسد، تبرز الحاجة إلى طبيب يشخص حالته ويصف العلاج له، وعندما يتصدع مبنى، تبرز الحاجة إلى مهندس يحدد المشكلة ويقترح الحلول، لكن إلى من نلجأ لو مرض مجتمعاً بأكمله، أو رصدنا حالة تراجع فكري واضحة ومخيفة تهدد أمن الناس وسلمهم الاجتماعي؟

الإجابة التي اعتدنا سماعها هي «المؤسسات التربوية والتعليمية»، فهي المسؤولة حسب الرأي السائد عن تربية الناشئة وتعليمهم، لكن السؤال في الواقع أكثر عُمقاً وتعقيداً من هذه الإجابة، لأن الفكر التربوي والتعليمي الذي يُقلل من أهمية الآداب والفلسفة والفنون، هو أحد الأسباب الرئيسية في حالات التراجع الفكري والاجتماعي.