الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

هنيئاً للشَّاكرين

عن فضيلة الشكر لله، روى الإمام البخاري وغيره، عن سيدنا المغيرة بن شعبة، رضي الله عنه قال: «قَامَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ، فقِيلَ له: غَفَرَ اللَّهُ لكَ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وما تَأَخَّرَ، قالَ: أفلا أكُونُ عَبْداً شَكُوراً»، وفي رواية: «كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَيَقُومُ لِيُصَلِّيَ حتَّى تَرِمُ قَدَمَاهُ - أَوْ سَاقَاهُ - فيُقَالُ له فيَقولُ: أَفلا أَكُونُ عَبْداً شَكُوراً».

ليس أحد في الدنيا بأعرف من سيدنا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ باللهِ عزَّ وجلَّ، فهو أخْشى الناس له، وأعبَدهم له، وقد كان في لَيلِه ونَهارِه دائمَ العِبادةِ له عزَّ وجلَّ، ولعظم نِعَم اللهِ عليه، كان يَتلقَّاها بعَظيمِ الشُّكرِ، ومعنى «أفلا أكونُ عبداً شَكوراً»، هو: كيف لا أشكُرُه وقد أنعَمَ علَيَّ وخصَّني واصطفاني، وهو حث للبشر على مُقابَلةِ نِعَمِ اللهِ عزَّ وجلَّ بمَزيدٍ مِن الاجتهادِ في العِبادةِ، ومن النعم إدراك أزمنة الخيرات، وأجلها شهر رمضان المبارك.

من أجمل ما قرأت في موضوع الشكر، ما ذكره الإمام ابن عباد النفزي الرّنْدِيُّ السلاوي، إمام وخطيب جامع الْقَرَوِيِّينَ بمَدِينَةِ فَاس، وأحد أبرز علماء القرن الثامن الهجري؛ قال رحمه الله، في كتابه المشهور «الرسائل الكبرى»: «وَالشُّكْرُ هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ الَّذِي قَعَدَ عَلَيْهِ الْعَدُوُّ اللَّعِينُ لِيَصُدَّ عَنْهُ مَنْ تَبِعَهُ مِنَ الضَّالِّينَ، قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - مُخْبِرًا عَنْهُ: ﴿لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ؛ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ؛ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ؛ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾؛ [الأعراف 16-17]َ لمْ يَقُلْ صَابِرِينَ، وَلا قَانِتِينَ، وَلا زَاهِدِينَ، وَلا مُخْبِتِينَ، وَلا عَابِدِينَ، وَلا مُتَوَكِّلِينَ؛ وَلا غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ مَقَامَاتِ الأَبْرَارِ وَالْمُقَرَّبِينَ، لِعِلْمِهِ بِأَنَّ مَقَامَ الشُّكْرِ تَنْتَظِمُ فِيهِ سَائِرُ الْمَقَامَاتِ، وَتَنْدَرِجُ فِيهِ الأَحْوَالُ وَالْكَرَامَاتُ، فَانْظُرْ كَيْفَ عَرَّفَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْعَدُوَّ اللَّعِينَ مَنْهَجَ الْحَقِّ وَطَرِيقَهُ، لَكِنْ حَرَمَهُ هِدَايَتَهُ وَتَوْفِيقَهَ»..

اختصاص الله، سبحانه وتعالى لنا، برمضان، وفرض الصيام في نهاره، وشرع القيام في ليله، والهداية للعمل الصالح خلاله، نعم كبرى، تستوجب الشكر المستمر؛ والقانون الرباني في هذا هو قوله سبحانه وتعالى، في سورة إبراهيم: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾، وهذا يكون في أمور الدين، كما يكون في أمور الدنيا، فمن شكر اللهَ على نعمة إدراك رمضان، وعَمَرَهُ بالصالحات، تأذَّنَ له ربه بالزيادة في أعمال البر، وفتح له أبواباً لا تخطر له على بال.