الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

حكايا صديق.. تنيرُ الطريق

قديماً قالوا: الصديق قبل الطريق، ونحن نقول: "الصديقُ ينيرُ الطريق"، كيف لا وهو الذي يُغدِق عليك من ينابيع صِدقه، ويسكب لك أقداحَ سعادةٍ من قلبه، ويربتُ على شتات نفسكَ بمداد حكمته.

في ليلة رمضانية دافئة، دقّت العاشرة مساءً، فتأهّبتُ لأذهب في معيّة صديقٍ تلبيةً لدعوة سحور رمضاني مبكّر، أخذت مقعدي بالسيارة، وانطلقنا معاً إلى استراحة السحور خارج المدينة نطوي إليها المسافات طيّاً.

في الطريق، يشاطرك الصديق حكايا تريح النفس التي تكالبت عليها الهموم، وحديثاً يُذهب عِلةَ القلب المكلوم، ومواقف حياتية يرويها بعفوية، لتجد نفسك أمام نبع متدفق بعظيم الحكم وجليل الوصايا، طالما ارتقبها عقلك الباطن، فما أعذبَ الارتواء من رواء أصحاب القيم والشيم.

بادرته في عَجَل: يا صديقي دُلّني على ما أحدثته بكَ رحلتك المهنية الممتدّة وسط تلال من المسؤوليات التي أثقلت كاهلك؛ ما بينَ شرود وارتياب.. استلم زمام الحديث، وفزت أنا بالإنصات: في رحلتي المهنية، عشتُ ولا أزال مواقفَ لا تُنسى، لكن أقربَها إلى ذهني في اللحظة الآنية حين تم ترشيحي لأكون المسؤول الأول في دائرة عملي، حينها رجوت متخذ القرار ألا يفعل، حتى لا يُقالَ إنني بذلت من الجهد المتواصل كي أنال منصباً يشغله من تجمعني به وشائجُ الأخوة الصادقة، فلا يمكن أن يعلو فوق صرح الأخوة أيُّ طموح.

تمنيتُ أن يخفض سرعة السيارة حتى تمتد فصول الحكاية، وتكتمل الرواية، ويتسنّى لي معرفة المزيد من الخبايا.. أفرغَ ما استحضرته ذاكرته، وسرعانَ ما عادَ إلى تأمّلاته من جديد، وفي قرارة نفسك تعلمُ أنّ ما يُداريه أضعاف ما أسرَّ به إليك، لكنّه صمتُ النبلاء، ونقاء الفضلاء، الذين لم تتلوثْ نواياهم إلا بظنون الحاقدين.

وفي حكاية أخرى، ترصدُ وصاله بإحسان مع أصدقاء الصبا، فبرغم التباعد وندرة اللقاء، فإن القلوب لا تزال على حالها كأنها لم تفترقْ يوماً، ولم تَحُلْ بينها المسافات، يكاد القلب ينفطر من روعة هذا البوح الآسر، وتعلم أنه أمينٌ على خزائن أحزان وآلام أحد أصدقاء العمر، يشد من أزره ليلَ نهارَ، كي يحوّلَ تلك الآلام إلى آمال بعد أن ضاقت به الأحوال، ويقتسم معه آخر ابتسامةٍ قبل أن يختلي بحزن طويل.

يا رفيقَ الطريق! شكراً بحجم السماء لما ألهمتني وعلمتني في ذاك المساءِ القريب.