الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

العيد.. والجسور المعلقة

يحلّ علينا عيد الفطر، ليسجل بقدومه الذكرى الثانية لجائحة طال أمدها، لكن المشهد هذا العام أشدّ وطأة على النفس، ثقيلاً على الروح، قضمَ شيئاً من شعور البعض بقربِ الفرج.

يحل العيد، وأبتِ الجائحة الأفول، بل يستشري ذلك الفيروس ويتحوّر، ويطلّ علينا في مشهدٍ سينمائي بحلّة جديدة، وفي كل مرة يظن سكان الأرض أنّها بداية النهاية، والرحيلُ قد أزِفَ والحياة ستعود لطبيعتها، إلا أنه يعود أكثر ضراوة وأشد شراسة.

هاتفني أحد الأصدقاء منذ أيام ليُشاطرني وقفته التأملية مع ذاته الحائرة بتبدل مشاهد الحياة.


بادرني قائلاً: يا صديقي! أقولها بتعقّلٍ وليسَ ضرباً من الجنون، فقدتُ الإحساس بالزمن، وحياتي تفتقرُ إلى الحياة، والصباح يعانق المساء، والأسبوع يمضي سريعاً، والشهور تُطوى على عَجَل، أشعر بأن عمري أضحى حبيس آلة زمنٍ تعطّلت واعتراها العَطب على حائطٍ بارد تملؤه التشقّقات.. ويمضي الصديق في تشخيص حاله: أنا قاطرة عالقة على جسر مُعلّق، لا تملك العودة إلى الوراء ولا المضي قدماً، ولا حتى التأمّل في المحطّة التي أسيرها الآن..


انقطعَ السَردُ وساد الصمت ولسان حالي يردد: كلنا هذا الصديق، كلنا حبيس آلة الزمنِ المُعَطّلة.. كلنا يعيش ثنائية الفقد والافتقاد لعيدٍ طالما اكتسى حُلّة البهجة، واليوم يُخيّم بهيئة قاتمة لم نعهدها من قبل على كوكبٍ غيّرت الجائحة معالمه. كلنا متحدون في معية الحنين لشواهد ومشاهد الزمن الجميل، وكلنا عالقون على الجسور، بعد أن أضحى التباعد سبباً للوجود وجواز العبور لبوّابة البقاء.

يواصل الصديق: تجاوزت الخمسة عقود عمراً، لا بدّ من تغييرِ الإعدادات التي تضبط عدّاد العمر، لتسقط من أعمارنا أيامُ الهروب ولحظات الغروب، ويكمل تأملاته: أبحث عن ذاتي وهويتي وأتلمس الطريق لأتقبل الواقع الجديد، ولكني، وهذه شهادة أسجلها على صفحات صداقتنا، عجزت عن إدراك، أتلك ثورة بقاء أم ما زال للقصة فصول وللعمر صفحات؟!

قاطعته دون قصد: يا صديقي! أما وقد علقت قافلتنا على الجسور، فلا تتوقّف كثيراً عند ما يشغل بالك ويثقل ذاتك، هل رأيت مسافراً شيّد بيته فوق جسرٍ مُعلّق؟ تلك حياتنا، فمتّع عينيك بما حول الجسور، واستحضر ما تملك من نعمٍ حاضرة، ولا تثقل كاهلك بفهم أقدارِ مجهولة، وأحداثٍ مُرتقبة خُطّت في كتابٍ معلوم.