الثلاثاء - 16 أبريل 2024
الثلاثاء - 16 أبريل 2024

«شانيل».. مرة أخرى

في زيارتي المقبلة إلى باريس حين يخف وطء كورونا وكآبة المدينة التي غفت لأشهر بعد أن جفاها زوارها وعشاقها؛ سأقصد شارع كامبون رقم 31 مزار شانيل ليس للتبضّع من المحل، الذي طالما عشقت لمسات مصمّمته «شانيل»، بل للعبور إلى روحها واستنشاق عبيرها خارج قارورة زجاجية من تلك التي أستعملها.

فمن خلال الكتاب الذي ألفته «جوستن بيكاردي»، وترجمته «د. فاطمة غصن» دخلتُ عالم شانيل السري، وباغتتني تفاصيل حياتها التي لم أعرف عنها الكثير من قبل.. أعجبت بامرأة استطاعت أن تكون نموذجاً لأخريات في قوتها ونجاحها وتخطيها الصعوبات التي واجهتها في حياتها، والتي حاولت أن تخفيها بل زوَّرت روايتها لماضيها بحكايا متناقضة في كل مرة كانت ترْوِيها.

"الموضة التي تبدو سهلة أو سخيفة جلبت لها شانيل بتصاميمها الوقار".. كما تقول الكاتبة، التي تتبعت خطى شانيل وتفاصيل حياتها منذ طفولتها، زارت الأماكن التي سكنتها شانيل أو حتى تلك التي مرت بها، كان عمل شانيل يعوضها عن طفولة يتيمة وأمور لطالما حاولت إخفاءها، لكن تفاصيلها ظهرت في تصاميمها بشكل أو بآخر.

غابرييل شانيل ليست فقط صاحبة الموضة التي صنعت جمال الكثيرات ممن ارتديت تصاميمها، بل قد تكون حافزاً للنساء اللاتي يعانين في حياتهن، ومصدر أمل للاستمرار والمثابرة وكسب القوة لمواجهة الصعاب، فقد كانت ملهمة للكاتبة ــ التي خرجت للتو حين بدأت رحلتها في الكتابة عنها ــ من قصة طلاق مؤلمة فتعلمت من بطلتنا أن النهايات يمكن أن تؤدي أيضاً لبدايات مشرقة، ولا بد للإنسان أن يحسن اختيار أصدقائه والمحيطين به لأنه مرآة لمن حوله فملكة الموضة الباريسية تقول: «إن عمري يختلف وفقاً للأيام والأشخاص الذين أكون معهم، وعندما أشعر بالملل أشعر أني عجوز هرمة».

لم تهرم موضة شانيل أبداً، فهي المرأة المبدعة التي ابتكرت ما خرجت به عن النمط العام، الذي اعتادته النساء في مجتمعها، ووضعت لها بصمة باقية في عالم الموضة، الذي قالت عنه: «اللباس ابتكار ساحر وزائل وليس عملاً فنيّاً أبديّاً.. يجب أن تموت الموضة وبسرعة حتى يتسنى للتجارة البقاء على قيد الحياة، وكلما عبرت الموضة بسرعة؛ كانت أكثر كمالاً، لا يمكنك حماية ما هو ميت أصلاً».

ستظل هذه الجملة نبراساً في عالم الموضة وأولئك الذين يركضون وراءها بِنَهم، وكلما سبرت أغوار هذه المرأة الفاتنة سآتي بحصاد ما أقرأ عنها لأشارككم إياه قرائي الكرام.. فعطرها ودانتيلها والستان الأسود يشي بذائقة لن تموت.