الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

النظّارة السوداء

ارتدى الفنان الراحل أحمد زكي نظارته السوداء لعشر سنين، ربما أقل وربما أكثر.

وبعد عراك على أهمية حصولها على الترقية أم لا، ارتدت زميلتي السابقة نظارتها السوداء لعامين، لم تكن تخلع النظارة حرفياً من وجهها، فأحدثت بقصد أو غير قصد مساحة هائلة بيننا وبينها، فلم نعد نستطيع أن نرى عينيها وهما تشعان بالجمال والإثارة.

وكتب الروائي الراحل إحسان عبدالقدوس رائعته «النَّظَّارة السوداء»، حتى تحولت إلى فيلم من بطولة الراحلين نادية لطفي وأحمد مظهر، وظهرت لطفي وهي ترتدي النظارة السوداء طوال الفيلم.


جميع الذين أجبروا أنفسهم على ارتداء النظارة السوداء، كانت لديهم قضية ميتافيزيقية مع المجتمع، مع أنفسهم، مع تكوينات وجهة نظرهم تجاه الأشياء التي لربما لم نكن لنتوقف أمامها، وربما كان الأهم لديهم فكرة التأمل مع الذات، وعدم رغبتهم في الإجابة عن الأسئلة المفعمة بالعاطفة، وهم يدركون أن ارتداءهم النظارة السوداء، سيدفع الآخرين إلى الانشغال بهم، ومعرفة السبب الذي يدعوهم إلى ألّا يروا الحياة بألوانها الطبيعية، وأنهم باتوا يريدون أن يعيشوا داخل نصهم الجوهري والأساسي ألا وهو الذات.


عشتُ أحزاناً عدة، ومن الممكن أن أسمي بعضها بالمرعب، أقرب شبهاً برعب مصطفى خليفة في روايته «القوقعة.. يوميَّات متلصِّص»، حينما تحدث عن سجنه في تدمر في سوريا، ولكني لم أفكر أبداً أن أرتدي النظارة السوداء، لأنني كنت متأكدة أن ما عشته سوف يكون ماضياً ولن يتكرر أبداً. البعض يستمتع بالألم، ويتلذذ بالعذابات والمخاوف والرغبات الدفينة، ويجد أن الهروب من محيطه هو صحة نفسية، ولكن تبقى للعينين حكايات عاشقة، وإلا ما كُتبت ودُوّنت القصائد، وهي تتغزَّل بهما.