الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

حياة منضبطة.. قدوة مستمرة

يُعدُّ قول الله تعالى، في الآية رقم 104من سورة آل عمران: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، من أقوى الآيات القرآنية الداعية لضبط حياة البشر، وتنظيم أمور معاشهم، عن طريق انتداب فئة من أهل الخير، تنوب عن الأمة في الأمر بالمعروف والنهي عن ضده، وهذا يعني تحقيق الفلاح للناس، وهذه هي السمة المفترضة في المجتمع المدني الذي بناه الرسول الأكرم، صلوات ربي وسلامه عليه، على الانسجام والأخوة والتعاون والتساكن والتسامح وغير ذلك من المكارم..

الناس في مجتمعهم الذي يعيشون فيه، يحتاج بعضهم إلى بعض في مختلف شؤون الحياة، وقوة مجموعهم تكمل بقوة كل فرد من أفراد المجموعة، وسعادة المجتمع تحسب بمقدار سعادة كل فرد كذلك، وهذه أو تلك الفئة المنتدبة للمهمات المذكورة سابقاً، ليست بديلاً للدولة الحاكمة بأجهزتها المختلفة، بل هي معينة لها في مجال تذكير الناس بواجبهم وبحقوقهم، وتفقهيهم بما تفرضه عليهم واجبات التعارف والتعايش، والاحترام المتبادل، والتعاون على جلب المصالح ودرء المفاسد.

الناظر في قوانين الإسلام سيجد أنها تتوخى تحقيق مصالح الناس وحوائجهم الضرورية والحاجية والكمالية في حياتهم الدنيوية، وإسعادهم في حياتهم الأخروية، وهذه القوانين لا تستعمل المواعظ والوصايا الأخلاقية فقط، لأنها لن تؤثر في سواد الناس غالباً، إلا إن كانت مصحوبة بقوانين وتشريعات تدعمها، وتقف إلى جانبها، والعلماء مجمعون على هذه الحقيقة.

ولأجل ذلك نشأت نظرية «المصالح المرسلة» في الفقه الإسلامي التي أخذ المذهب المالكي بالحظ الأوفى منها، وتم الاتفاق على «الضروريات الخمس» التي جاء الشرع لتحقيقها: حفظ الدين والنفس والنسل والمال والعقل، وأضيفت كذلك جملة من الحقوق الطبيعية للإنسان، كحق الحياة والحرية والمساواة والعلم والكرامة، وغير ذلك من التدابير والإجراءات.

من أمثلة ما تقدم ذكره، أن الحياة في منظور الإسلام منحة ربانية مقدسة لا يملك أحد حق انتزاعها من الأفراد بغير حق، وأن كل ما يضرُّ بصحة الإنسان الجسدية والعقلية والمالية والأخلاقية، من المأكولات والمشروبات والملبوسات والمنكوحات وغيرها حرام، وأن بعض التكاليف والواجبات تسقط عن الفرد عندما يتعارض القيام بها مع سلامة جسمه، وأن العلم حق ثابت لكل إنسان، وأن مكافحة الجهل واجبة تماماً، وبغير التعمق في هذه الأمثلة وغيرها لن تكون مجتمعاتنا المسلمة متميزة، ولا يمكن أن تكون قدوة أو مثلاً لغيرها.