الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

الذين لا يعلمون

أعلنت مذيعة أرجنتينية ليلة الخميس الماضي (27 مايو الفائت) عن طريق الخطأ وفاة الأديب الإنجليزي الشهير وليام شكسبير، حيث أوقع تشابه في الأسماء مقدمة الأخبار في قناة «كانال 26» الأرجنتينية نويليا نوفيلو، في اللبس بعد أن خلطت بين اسم الأديب الإنجليزي الشهير، واسم عجوز بريطاني يحمل نفس الاسم، فاحتل الحدث عناوين الصحف في جميع أنحاء العالم لكونه أول رجل يتلقى لقاحاً لفيروس كورونا في العالم، وتوفي نتيجة أسباب غير الفيروس.

الشيء المهم الذي أثار انتباه المشاهدين أن المذيعة أطلت عليهم قائلة إن: «أحد أهم كتّاب الأدب العالمي والذي تعتبره معلماً وملهماً لها قد تُوفي اليوم».

إلا أنه في الواقع مَن توفي هو وليام «بيل» شكسبير، البالغ 81 عاماً، أما شكسبير الأديب فقد توفي عام 1616 أي قبل 400 سنة، وأثار جهل المذيعة الأرجنتينية بتاريخ وفاة الأديب الإنجليزي الذي تعتبره معلمها موجة من السخرية، والأكثر من ذلك أنها اعتبرت نفسها من القراء له ومن متابعيه.


هناك صنف من الناس يعتقد أنه يعرف كل شيء ويحسن الحديث في كل الأمور، فهؤلاء يعتبرون أنفسهم موسوعة في التطوير الاستراتيجي وعلم الإدارة، مروراً بتفاصيل صناعة البتروكيماويات، وانهيار وعودة سوق العقار، وتاخر اعتماد عقار سينوفارم الصيني في أوروبا، وإذا تعمّقنا قليلاً نجد هؤلاء كانوا يعيشون بيننا، في العائلة وفي الحيّ وبين الأصدقاء والمعارف، وكنا ساكتين عنهم لأن تأثيرهم محدود (منا وفينا وبيننا)، ونعرف (هرطقتهم) ولكن في عصر السوشيال ميديا ابتلينا نحن وغيرنا بهؤلاء الذين يدّعون معرفة كل شيء، ويصنعون لك من الحبة قبة، وهدفهم لفت الأنظار لأنهم يتمتعون بالنرجسية وحب الذات.


وقد يتسببون بمشكلات لأنفسهم ولغيرهم بسبب معلومات خاطئة أو كذبة أطلقوها، ولكن هذا غير مهم بالنسبة لهم لأن لذة الشهرة ولفت الأنظار تغطي على الجوانب السيئة لأفعالهم، وتوجد وجاهة اجتماعية، وسلطة لا يستطيعون مقاومتها، فهم يريدون أن يكونوا أصحاب تأثير.

ومع أن خطابهم الواثق يوحي بالصلابة، إلا أنه يخفي هشاشة خطيرة تغذِّيها الشكوك ومشاعر القلق، فهؤلاء الأشخاص حينما يقدمون لك معلومة ويُكملون ما نقص من معرفتك إنما يحاولون إكمال فراغهم، إنهم يبحثون في أعين المتابعين عن استعادة ثقتهم بأنفسهم، لأن الشيء الوحيد الذي يعرفونه هو أنهم (لا يعلمون).