الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

فضل الكلاب

مشغول بالتراث والمخطوطات منذ أن عرفتها في مكتبة رفاعة الطهطاوي في سوهاج 1985، حينها كنت أنقل المخطوطات كتابة لعدم توافر ثمن تصويرها، وبعدها قمت بمسح تاريخ التراث المكتوب باللغة العربية في 10 سنين تالية، ومن بين هذه الكنوز وقعت على كتاب «فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب» لأبي بكر محمد بن خلف الشهير بابن المرزبان توفي 309 هجرية، 921 ميلادية، وقد حقق هذا المخطوط الأستاذ الدكتور محمد عبدالحليم أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة لندن ومترجم القرآن للغة الإنجليزية، ترجمة كرمته عليها ملكة بريطانيا بلقب ملكي.

منذ ألف ومئة عام يفسر لنا ابن المرزبان، الذي عاش في العراق، لماذا كتب هذا الكتاب فيقول «ذكرت زماننا هذا وفساد أهله، وخسة أخلاقهم، ولؤم طباعهم، لذلك جمعت ما جاء في فضل الكلاب على شرار الإخوان»، فقد اشتهر من الشعر في زمانه بيت:

أشدد يديك بكلب إن ظفرت به


فأكثر الناس قد صاروا خنازيرا


يقارن ابن المرزبان بين كلب الناس وكلب الكلاب، ويخلص إلى أن كلب الناس أخبث وأشر، لأنه خائن غادر، لا تؤمن جوانبه، لا يحفظ عشرة، ولا يصون عهداً، ولا يشكر مُطعماً، ولا يراعي صاحباً، بينما كلب الكلاب مخلص، لا ينافق في محبته، موثوق في وفائه، لا يغدر ولا يخون، ولا يعض أخاه، أو يعقره كما يفعل كلب الناس.

كان للحارث بن صعصعة أصدقاء يحبهم، اختلى أحدهم بزوجته، وشربا حتى سكرا، فلما رأى كلب الحارث صديقه يخونه مع زوجته، هجم عليهما وقتلهما، فقال الحارث في كلبه:

وما زال يرعى ذمتي ويحوطني

ويحفظ عرسي والخليل يخون

فيا عجباً للخل يهتك حرمتي

و يا عجباً للكلب كيف يصون

وللمرحوم الأستاذ عباس محمود العقاد قصيدة رائعة في رثاء كلبه «بيجو»، يسير على نفس خطى ابن المرزبان فيقول:

حزني عليه كلما عزني

صدق ذوي الألباب والألسن

وكلما فوجئت في مأمني

وكلما اطمأننت في مسكني

مات ابن المرزبان منذ ألف ومئة عام، ومات العقاد وكلبه بيجو منذ نصف قرن، وبقينا حيارى ما بين كلاب الناس وكلاب الكلاب.

صار الإنسان في مجتمعاتنا للأسف الشديد إنسان ما بعد الحضارة، أي إنسان مثل مخلفات الأبنية المهدمة، مكسور، ومعطوب ومشوه، وغير صالح لأي شيء.