الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

«ثورة النون» الكُوريّة

أن تحتفظ بملامحك الطبيعية، دون أن تمسّها مباضع الجراحين، أصبحت من الأمور الاستثنائية، أو أشبه بالأعجوبة في نظر العديد من مجتمعاتنا الاستهلاكية، المعاصرة، ومنها العربية على وجه الخصوص، فمع الطفرة الاقتصادية، والثقافية، وانفتاح العالم على بعضه بعضاً، وتلاقحه، بطريقة عشوائية، وتراجع كثير من القيم الثقافية، والاجتماعية وتسيّد الحس المادي، والاستهلاكي، ترسخت العديد من القناعات، والأفكار السلبية، والمعايير الجديدة، لم تكن مجتمعاتنا تأخذ بها، أو تستسيغها من قبل، كأن لا يصدق أحدنا «طبيعية» خِلقة إحداهن، أو تصديق حالة لنزول الوزن، لبدين سابق عن طريق تربية الإرادة، وتغيير النمط المعيشي، وترجيح كل حالة لنزول الوزن بالطرق الجراحية!.

تكذيب الحقيقي، أو التشكيك به، أو عدم تقبله، وتصديق المزيّف، أو «الصناعي»، والأخذ به كنموذج مثالي مطلوب، يُنبي عن حالة هشاشة واضحة في دواعم الشخصية، الاجتماعية، المعاصرة، ومعضلة نفسية في مهمة طبيع الحياة الإنسانية، والتواؤم معها في أتون المؤثرات، والإغراءات، والمعايير المادية الجديدة الشرسة، كما أحدث خللاً اجتماعياً في مهمة حماية السمات الأخلاقية، والاجتماعية، والفكرية، الأصيلة، من تلك التحولات، الثقافية، الخطيرة، وتأثيرها في تغيير الذوق العام، وقلبها للمعايير القيمية في المجتمع، والانغماس أكثر في دائرة الاستهلاك بكل أنماطه.

أواخر العام الماضي، انطلقت حملة مجتمعية قادتها نساء كوريات جنوبيات، ضد الشروط، الجمالية، الصارمة، الرائجة في المجتمع النسوي، التي وجدن فيها امتهاناً لأنوثتهن، وشكلاً من أشكال الممارسات اللاإنسانية بحقهن، وخصوصاً أن تلك المعايير الخارقة أصبحت من الشروط اللازمة الواجب توافرها فيهن، لحصولهن على وظيفة، أو أي امتياز أو قبول اجتماعي، أو مهني في مجتمعهن!

ثورة النون الكورية الجنوبية، ما كانت لتنطلق، لولا شعور الكوريَّات بالاضطهاد، والتمييز الجنسي الذي يمارس عليهن، حينما ألغت تلك المعايير قيمة الإنسان، وصادرت معها المعيار الأكاديمي، والأخلاقي، والمهني في أحقية حصولهن على وظيفة تستند إلى مبدأ تكافؤ الفرص، وليس على معايير حسية مادية شكلية.

كما أن هذه المعايير فيها إنكار صارخ للسمات، العرقية، الشرق آسيوية، وتمييز جنسي مهين، أوجدت سوقاً تجميلية كورية رائجة على مستوى العالم، وبموازاة هذه السوق، تأسست «سوق نخاسة» محلية، أفرزت بنشؤها ما يسمى بـ«الجمال الكوري» المثالي؛ قدّم الشكل، ومواصفات خارجية على الكفاءة المهنية، والشهادة الأكاديمية!.