الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

لماذا نخاف؟

الخوف شعور طبيعي وغريزي، وهو دافع فطري يحمي الإنسان من كثير من المخاطر المحدقة به، وبعض المخاوف التي تنتاب الإنسان يكتشف بصورة تلقائية أنها مخاوف لا أساس لها، أو غير مبررة، أو مبالغ فيها، وبالتالي فالخوف قد يتحول إلى جزء من تركيبة الإنسان، أو هاجس دائم يؤثر في مسيرته الطبيعية في الحياة.

أسباب الخوف متعددة، قد تكون تجارب سابقة يخشى الإنسان تكرارها، أو المعلومات الخاطئة والمغلوطة التي يتوصل إليها المرء بنفسه أو تسرب له، أو الخوف المبني على عجز المرء وضعفه في بعض الظروف والمواقع والمواقف التي تجعله غير قادر على التحكم في سيرورة الأمور، فنحن نخشى التعامل مع الغرباء الذين لا نعرفهم، ونخشى أكثر الغرباء المحاطين بمعلومات مروعة وتجارب مخيفة، تماماً كما في الدول التي يقطنها الكثير من المهاجرين، فالمهاجرون يخشون السكان الأصليين بسبب انتشار ظاهرة كراهية الأجانب، والسكان يخافون من المهاجرين لأن أغلبهم قادم من أصول شرقية أو أفريقية يشيع وسطها الجهل والتطرف والجرائم، لذلك علينا أن نتخيَّل شعور أحد هذين الطرفين وهو يسير وحيداً بعد منتصف الليل في الحي المظلم، سيكون مسكوناً بالرعب.

والتخويف قد يتحول في ذاته إلى سلاح، وإذا زادت الجرعات يتحول إلى ترهيب، فبإمكان أحدهم أن يسيطر على شخص آخر سيطرة كاملة بإثارة مخاوفه تجاه شيء ما، وبإمكان جهة معينة أن ترهب مجتمعاً كاملاً حينما تتحكم بمسألة خطيرة وعصية على الآخرين، سنجدنا في التربية التقليدية، نمارس هذا المفهوم مع الأطفال، فكي نسيطر على حركتهم ومشاغبتهم، وكي نطوق فضولهم وحب استكشافهم لكل ما حولهم، نثير مخاوفهم من الجن، والساحرات والحرائق والموت وفراق الوالدين، فيتحول الطفل شيئاً فشيئاً إلى كائن مطيع، ليس من باب التقدير والوعي والمحبة، بل من باب تجنب المخاوف.


ونحن هنا، لا نتحدث عن الخوف المرضي، مثل الفوبيا واضطرابات الخوف، ولا نتحدث عن الخوف الطبيعي، كالخوف من المرض أو الهرم، أو الخوف من الأشخاص المضرين، أو الخوف من المواقف والظروف التي قد تكتنفها نسبة كبيرة من المغامرة، نحن نتحدث عن الخوف الذي يبدأ في صيغة حذر وتوخٍّ، ثم يتطور شيئاً فشيئاً حتى يصير البوصلة التي توجه المرء، وتملي عليه خط سيره، وتتحكم في اختياراته، وتسيطرُ عليه، لذلك علينا مراقبة مخاوفنا واكتشافها، وتمييز الواقعي منها، من المبالغ فيه، فثمة كثير من المخاوف، على المرء التحرر منها، والانطلاق في الحياة خارج قيودها.