الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

«العشق».. وأزماتنا المعاصرة

يرحل العشقُ الظاهر أو الخفي في امتداد علاقات البشر بعيداً، بل أحياناً نفتقده كليّاً، حين نسعى ـ بقصد أو من دونه ـ لإحلال بدائل أخرى في علاقاتنا، نتصوّر أو نتخيّل، ومرات نتوقّع، أنها الأهم، مع أن نجاحنا في أيٍّ من أعمالنا مرهون بحالة العشق التي تعترينا لحظة أدائه، والمقصود هنا الإفراط في حبه، وذلك هو المعنى العميق للعشق على الأقل في بعده اللغوي.

هنا نتساءل: هل من المعقول أن تكون كل أفعالنا مرتبطة بالعشق، مع أنه مخصص للعلاقة بين الذكر والأنثى، وهو في النهاية مرتبط بحدوثه في وعاء الجسم، كما تعبر عنها العلاقة الجنسية ـ حلالاً كانت أو حراماً ـ بصيغ الأفعال المختلفة للبشر، التي هي نتاج معتقداتهم، وبشمولية المعنى الكلي للثقافة، كما عرّفها «إدوارد تايلور»؟

نعم هي ذات صلة، لكن فهمنا لحالة العشق، مختلف عن ذلك الذي ذهب إليه بعض المتصوفة، وفقهاء مذاهب إسلامية أخرى، حين حاولوا إدخالنا في عوالم واسعة وغامضة تتطلب مستوى معيّناً من العرفان، ومن «العلم الّلدُني» كما هو في تجليَّات المعرفة لوقائع غيرت من حيث علاقة بعضهم على المستوى الشخصي في أسلوب الطاعة، وفي علاقتهم بأنفسهم وبغيرهم من البشر، لكنها لم تغير من حياة الشعوب والأمم ولم تتحقق من خلالها نهضة أو تنمية أو مسعى دنيوي يعوّل عليه لإحداث تغيير، ينتهي بنا إلى شراكة قوية وسليمة مع القوى الفاعلة على الصعيد الدولي اليوم، ولا حتى عبّد لنا الطريق نحو آخرة، تكون حجتنا فيها أننا صبرنا في السرَّاء والضرّاء.


لكن هذا لا ينفي وجود حالتين نجح فيهما المتصوفة على مستوى الفعل ـ في فترات محددة من تاريخنا الطويل ـ الأولى: تلك التي تجلّت في الفعل الجهادي حين رابطوا على الثغور وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم، والثانية: إسهامهم في نشر الإسلام عبر التجارة.


غير أن قول بعضهم «بالعشق لله سبحانه وتعالى» يمثل ضرباً من الخيال لأمثالنا ممن هم أبناء المدنيَّة الراهنة، ومبلغهم من العمل في مجال التصوف محدود أو قليل، أو منعدم.. أولئك الذين يأخذون بظاهر القول، محاولين أن يطرحوا ما وقر في القلب حقيقة، وهو أننا «نحب الله، ولا نعشقه».

هنا وجب القول: إن العشق حالة بشرية، يترتب عنها ـ في الغالب ـ ما نراه من تناسل وتكاثر في الخلق عبر علاقة بين الذكر والأنثى، والتحول بعدها إلى شعوب وقبائل للتعارف، وما يترتب عنه من وظيفة تتعلق بالعبادة، وما لها من مظاهر تقوى، ولهذا لن نقبل أن نتلهّى عن العشق الحقيقي، مهما كانت البدائل، خاصة السياسية منها.