الثلاثاء - 19 مارس 2024
الثلاثاء - 19 مارس 2024

استنساخ التجارب البشرية

هناك كثير من الأمور في الحياة لا يمكن استنساخها أو تكرارها وإن حدث ذلك بالفعل فسنكون إزاء نسخ سيئة التقليد، ومن ذلك على سبيل المثال: قصص النجاح البشري التي تحولت إلى أيقونات في التحول، وسعت بعض المؤسسات والأشخاص لاستثمارها، من خلال ما يعرف ببرامج التنمية البشرية، التي تحولت في أحيان كثيرة إلى موضع للسخرية والتندر.

ويقوم معظم تلك البرامج على إسقاط تجارب شخصية ناجحة استطاعت التغلب على تحديات الحياة وتحقيق إنجازات رائعة في مسيرتها، على حياة أشخاص آخرين، من دون النظر إلى الخلفيات الثقافية والاجتماعية والنفسية أو الظروف الخاصَّة جداً التي أحاطت بقصص نجاح كل شخصية على حدة.

الطريف في الأمر أن العديدين ممن يعملون في مجال «التنمية البشرية» لم يستطيعوا أن يحققوا أي إنجاز عملي أو مهني على الصعيد الشخصي، فاتجهوا لتقديم الدروس والنصائح لتحقيق النجاح مقابل المال، فتحولت «التنمية البشرية» إلى غاية بحد ذاتها وليس وسيلة لتحقيق النجاح المزعوم!


والأمر يكاد يتطابق تماماً مع مقولة الشاعر الفرنسي الشهير بول فاليري التي يقول فيها: «أفضل وسيلة لتحقيق أحلامك هي أن تستيقظ»، وباعتقادي أن الالتحاق بدورات تعليم النجاح - إن صح التعبير - هي تماماً مثل الخوض في الأحلام، بينما مواجهة تحديات الحياة هي اليقظة الحقيقية التي قد تمكنك من تحقيق أحلامك أو بعضها وربما لا شيء منها!


وعلى صلة بهذا الموضوع، تبرز ظاهرة تكاد تكون ملموسة في الوسط الأدبي والثقافي العربي، حيث يعمد بعض الكتاب للتلذُّذ بحياة الشظف، انطلاقاً من مقولة «المعاناة تصنع الإبداع»، مع أن الحقيقة أن المعاناة في الغالب لا تصنع إلا المزيد من المعاناة، وأنه لا يمكن تحويل بعض النماذج لأدباء كابدوا الفقر والمعاناة قبل أن يتحولوا إلى رموز للثقافة العالمية.

وعلى المنوال ذاته، لا يروقني شخصياً، الحديث المكرور عن «طقوس الكتابة» أو العلاقة بين العبقرية والجنون، حيث إن تلك مظاهر شديدة الخصوصية، أحاطت بعدد ممن أشهر الأدباء في العالم، وليس شرطاً أن يمر كل أديب عبر بوابة المعاناة والجنون ليصبح مبدعاً أو عبقرياً، وبالتالي لا توجد هناك قواعد نفسية أو اجتماعية صارمة يمكن أن تصنع نجاح الفرد العادي أو حتى من يمتهن مهنة الكتابة الإبداعية ليصبح علامة فارقة، فحياة كل فرد على وجه هذا الكوكب ليست نسخة من حياة فرد آخر.