الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

الحرية.. والتفكير

العلاقة الجدلية بين الحرية والتفكير قديمة وحديثة، وقد تعددت أشكالها وتنوعت في ظهورها ومظاهرها، وبالأخص في الفكر الإسلامي التراثي والحديث، فبعض التوجهات الفكرية ترى أن الدين يتعارض مع حرية التفكير، وإذا ما وضعت الخطط لإبعاد جيل عن الدين والتقاليد والعادات لقوم معينين، فإن الخطوة الأولى هي التشجيع على الحرية ومقاومة موانعها، وفي نظرها أن حرية التفكير ستؤدي إلى إبعاد جيل الشباب عن التدين.

وحرية التفكير تعني بالدرجة الأولى فكريّاً حرية الاختيار للأفكار والمعتقدات، وتؤدي إلى المشاركة في تشكيل التيارات الفكرية والسياسية في المجتمع الذي تنتمي إليه طبيعياً واختيارياً، فالذي يعيش في مجتمع فكري ولد فيه هو وأبواه وأجداده فإنه ينتمي إلى هذا الوسط الفكري دون خيار منه، ويحمل أفكاره ومعتقداته دون تفكير، وهذا واقع في معظم المجتمعات التراثية والتقليدية قديماً وحديثاً، وهذه المجتمعات تفقد قدرتها على التفكير والاختيار لأنها فاقدة للحرية، وتعتبر الحرية عدواً لدوداً لأفكارها ومعتقداتها، ولذلك تبقى في حالة تخلف وتراجع عن مجريات التقدم الفكري أو العلمي عن المجتمعات المعاصرة لها.

والقارئ للتاريخ الفكري للمسلمين يدرك أن الضعف الذي حلَّ بهم كانت بدايته إغلاق باب الاجتهاد، الذي يمثل في المصطلحات الحديثة منع حرية التفكير، وتحريم ظهور تيارات فكرية جديدة، والاكتفاء بما أنتجته الأجيال السابقة من فكر واجتهاد، وهذا يعني أن قمع حرية الفكر في زمن معين يؤدي إلى عجز الأجيال التالية من معالجة مشاكلها وأزماتها بنفسها، لأنها اعتادت أن تعيش دون قدرة على التفكير والتجديد والإبداع.


ولا يقتصر الضعف على المجتمعات التي توقف حرية التفكير داخل حدودها ومجتمعاتها، بل إنها تخسر السباق في مضمار التقدم والتنافس العالمي، لأن المجتمعات والدول الأخرى التي تحترم حرية التفكير وحرية البحث العلمي دون قيود وتجريم سوف تتقدم على غيرها، وسوف تصبح في مقدمة المجتمعات والدول في العالم، وهذا سوف يصنع هوة كبيرة بين المجتمعات.


لقد كانت بداية النهضة الأوروبية بمقاومة القيود على حرية التفكير ولو كان مصدرها رجال الدين، ولذلك كانت البداية حركة الإصلاح الديني، بهدف تحرير العقول من قيود رجال الكنيسة وليس تحريرهم من الدين بالضرورة، فكانت الخطوة الأولى إطلاق الحرية الدينية، وعدم حصرها بمن يدعون تقديس التراث الديني خوفاً على مصالحهم، فكانت الدعوة إلى الحرية أساساً إلى تحرير كافة قطاعات المجتمع من رجال ونساء وشباب، وتوجيه طاقاتهم الإنسانية إلى التفكير والإبداع وبناء ذواتهم في حرية التفكير الديني (الاجتهاد)، وحرية التفكير الدنيوي (العلمي)، دون تعارض ولا استغلال من أحدهما للآخر.