الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

مرحلة التصحيح الاستهلاكي

الحياة بقدر ما أخذت من هدوئنا وتبسّطنا وأغرقتنا بطوفانها الاستهلاكي الشامل في فترة ما، واستطاعت أن تطوعنا وفق بروتوكولاتها الجديدة، كاختزال لغتنا والتعبير بالأحرف والرموز، ربما هي ذاتها التي ستدفعنا باتجاه سياسة التوفير وصياغة بروتوكولات اقتصادية جديدة للمرحلة المقبلة.

فجائحة كورونا غيرت الكثير من عاداتنا، وسلوكياتنا، وربما الكثير من قناعاتنا، وقد تدعو الكثير منا للتوقف قليلاً عن مواصلة هرولته ضمن ماراثون الاستهلاك الاستعراضي الذي بدأناه منذ قرابة العقدين، وأكثر، سنعيد ترتيب أولوياتنا الحياتية، وكيف نقتصد بدءاً من الكماليات غير الضرورية إلى الأشخاص الزائدين على حياتنا بلا حاجة!

ففي طفرة زيادة الرواتب والبحبوحة المعيشية والرخاء الاقتصادي التي شهدناها في الفترة الماضية، معظم الموظفين وغير الموظفين من ميسوري الحال توجّه للشراء الاستهلاكي والترفيه المبالغ بالدرجة الأولى، وقلة قليلة التي اتجهت نحو الادخار وترتيب أولوياتها وفق تلك الزيادات.

فإذا كنت من أولئك الذين «كلما اشتهى اشترى»، وهفتّك نفسك الأمّارة بالتبذير لشراء سيارة بمبلغ وقدره، واستعرضت نفسك شهراً فيها، ومن ثم ركنتها في مرآب البيت، ووجدت نفسك متورطاً في تكاليف صيانتها الدورية، وبقيت على حالها تتوالى عليها شمس صيفنا الحارقة ورطوبة ليلنا الخانقة، فتتذكر حماقاتك ومالك الذي أهدرته في مظاهر زائفة!

وربما ستفتح درج خزانتك وتمرر عينيك على ساعاتك الفاخرة الثمينة المرصوصة، وتعيد حساب قيمتها في فترة الرخاء وفارق قيمتها في ما لو فكرت في «تصريفها» في ظل تداعيات الأزمة!

ستتذكر مجموعة أرقام الجوالات المميزة التي تحتفظ بها ولا تستخدمها، ستتذكر كيف تحصلت عليها، وتتفاجأ أنك لست في حاجة إليها، ومكتفِ بهاتفك الشخصي الوحيد، فتجلس تحسب قيمة كل رقم مميز، وستفكر جديّاً في «تسييل» هذه الثروة المركونة وجدوى تصريفها من قبل أن تسحبها شركة اتصالات عنك دون أن تدري!

اقتصدوا في كل شيء بدءاً من استهلاك الماء والكهرباء إلى فواتير الهاتف المحمول والبنزين والمعجنات وأكواب القهوة، ولكن لا توفروا مشاعركم على من تحبون.

وحتى ننجح في عمليات الاختزال والتوفير والاقتصاد وتدبير حياتنا بصورة صحيحة علينا أن نعيد تقييم كل شيء جميل وأصيل ومؤثر وذي قيمة في حياتنا، ونضعه في مكانه الذي يستحقه ويليق به من الأهمية!