الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

المسؤولية الأبويَّة.. والتَّرف الفائض

تبقى الأسرة.. العائلة، هي أكثر ما يشغل هاجسي، ولطالما كانت لي معاناتي الخاصة، بسبب انفصال والديّ في سن مبكرة، وماذا يعني أن تعيش أكثر من حياة لم تجد فيها أمانك العائلي، والعاطفي، ذلك الجرح الذي بقي كالخنجر في خاصرة قلبي.. وروحي.

قرار الانفصال قد يكون حلاًّ لمشكلة لا يمكن حلّها بين الزوجين، ولكن، حينما يكون هنالك طرف ثالث بينهما، فالقرار لا بد أن ينظر في مصلحة الأبناء أولاً، ومن ثم تأتي مصلحة بقيَّة الأطراف.

فقد يكون الانفصال، المتعسف، أحد أسباب انحراف الأبناء، وانحدارهم السلوكي، والمعرفي، أو انزلاقهم في براثن الإدمان؛ المستنقع الذي لن يُبقي ولا يذر أي قيمة أخلاقية، أو فكرية، أو معنوية في كيانهم الإنساني إلا ويقضي عليها.

غير أننا أصبحنا نعاني، اليوم، من ظاهرة أسرية جديدة، هي «الانفصال غير المُعلن».. انفصال موارب، يكتنف معظم بيوتنا العربية، مذ أن اخترقت وسائل التواصل الاجتماعي حياتنا، وأوكلنا شؤون الأبناء للفئات المساعدة المنزلية، وحينما فرّط الآباء في مسؤولياتهم الأبوية، وأولوياتهم الحياتية باسم الحرية الشخصية، والخصوصية، والاستقلالية، والتنطع بمفاهيم التربية الحديثة التي لا يعلمون عنها شيئاً، وتمضية جل أوقاتهم باللهاث خلف المظاهر الزائفة، والانشغال بالآخرين وتفاهاتهم، والأبناء في وادٍ آخر يسرحون، ويمرحون خارج السلطة الأبوية، ولا أحد منهم يدري عن الآخر، يعيشون خارج أسوار البيوت أكثر مما يحيون تحت أسقفها، حتى أصبحت البيوت نُزلاً طارئة، وليست بيوتاً عامرة للسكن العائلي!.

إشكالية «حرق المراحل» في عملية التنشئة، وغياب الرابط العاطفي بين أفراد العائلة، أحدث اهتزازة كبيرة في نواة الأسرة، فأحياناً قد يصبح من الصعب إعادة تمكين السلطة الأبوية في نفوس الأبناء بعد إفاقة الأب المتأخرة؛ لاستعادة ابن يعيش في كنفك، لكنك، لا تعلم عنه شيئاً، فقط، لأنك ظننت، يوماً، بأن المال، وتوفير الحياة المرفهة هي أقصى ما يريده، ويحتاجه الأبناء من أبويهما، وما عداه، فما هو إلا ترف فائض عن الحاجة!.

غياب التقاليد العائلية، وضعف السلطة الأبوية، أفقدا مؤسسة الأسرة تماسكها، فقد تغريك الصورة ظاهرياً أحياناً، ولكن، أبعادها الهشة وفق تلك المعطيات والتحديات المعاصرة التي تتناوشها دون رادع، أو وعي أبوي مبكر مسؤول، تدفع بنا للقلق، أو الأسف عليها أكثر من أي شيء آخر!