الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

اكتشاف البطء

علمنّا أينشتاين: «أن لا شيء ذا كتلةٍ يستطيع الحركة بسرعة أكبر من سرعة الضوء»، لكن هذا العبقري العظيم لم يقل لنا ما هو أبطأ شيء في هذا العالم.

لأن السرعة، من وجهة نظر زمننا، هي الكلمة السحرية التي تحولت إلى مفتاح كل شيء ناجح في حياتنا، حتى أصبحنا لا نعيش حياتنا كما هي.

نحن محشورون في نفق لانهائي يمضي بأيامنا أسرع من الضوء، وكلما مرت الذكرى السنوية لميلادنا تساءلنا: يا إلهي لماذا كبرنا بسرعة!

في عام 1983 نشر الروائي الألماني ستين نادولني روايته «اكتشاف البطء»، التي تتحدث عن حياة جون فرانكلين مستكشف القطب الشمالي، وهو شخص كسول بطيء الحركة، تعرَّض للسخرية في طفولته كثيراً، غير أنه عندما وصل أقصى الشمال وجد المناخ مناسباً لطبيعته، فهذا هو المكان الذي يستطيع فيه أن يأخذ وقته، لأن لا شيء يحدث أمامه.. لقد هرب بنفسه من زمننا، وأصبح لديه الوقت الكافي لتأمل مجريات حياته.

الهوس بالسرعة هو نوع من الهروب من واقعنا، من طبيعتنا البشرية.. نحن نسرع لكي ننسى حسب ميلان كونديرا! ولكن ما هذا الذي ننساه؟.. ربما الجواب هو: حياتنا.

تصف سارة بكويل في كتابها: «كيف تعاش الحياة» الفيلسوف الفرنسي ميشيل مونتاني، الذي عاش في القرن السادس عشر: "لم يكن كسولاً فقط، بل كان بطيء الفهم أيضاً، ولم يتمكن ذكاؤه من اختراق أبسط السحب"، لكن هذا الفيلسوف الكسول هو نفسه الذي علم الملايين من البشر كيف تعاش الحياة بتروٍّ وهدوء وفتنة.

يقول: "حين أسير وحيداً في البستان الجميل، إذا تطرقت أفكاري إلى حوادث غريبة لبعض الوقت، فإني أعيد تركيزي إلى المشي، إلى البستان، إلى حلاوة الوحدة، وإلى نفسي".

هكذا ببساطة يقدم درسه في الانغماس في العيش اللذيذ، والقبض على اللحظة التي يعيشها، ويطرد من رأسه كل فكرة سيئة، بما في ذلك فكرة الموت: "لو لم تكن تعرف كيف تموت، لا تقلق؛ الطبيعة ستخبرك بما يجب أن تفعله حينها، تماماً وبكفاءة".

لقد سرقت «السرعة» منا كل شيء، حتى إننا نسينا رفاهية البطء، ذلك العالم اللذيذ الذي تستقر فيه الحياة بكل جمالها.