الثلاثاء - 16 أبريل 2024
الثلاثاء - 16 أبريل 2024

من العلاج للتأمّل

تعثَّرت نظراتي بالكتاب الذي أنوي الحديث عنه في مقالي هذا في أحد معارض الكتاب، والتي أحرص بكل ما أوتيت أن أزورها حول العالم محتفلة بلقاء الأدباء والمثقفين، الذين تعد معارض الكتب موعداً سنوياً للقائهم، واحتفالاً بمولد إصدار جديد لبعضهم، ومنبراً لندواتهم، فقد كان آخر عهدي بهذه المعارض معرض الشارقة للكتاب الذي كسر القيود التي فرضتها كورونا وفتح أبوابه ليؤكد أن الثقافة تتنّفس رغم عطب كبير أصاب العالم فتوقفت نشاطاته، وتقطَّعت سبله، والتزم الناس بيوتهم، في حظر تارة ومنع تجول تارة أخرى.

الكتاب الذي قد يكون وسيلة للخلاص من إرهاق أرواحنا، ومتعة لاجتياز بعض ما علق بنا هو «من العلاج للتأمل» لأوشو، فقد نجد به بعض أساليب التخلص من الإرهاق الروحي والتعب النفسي والمرض الجسدي أيضاً، ورغم أن التأمل لفظة ليست غريبة علينا نحن المسلمين، إذ إنها وردت في القرآن الكريم مراراً فقد نجد في هذا الكتاب فائضاً في الحديث عن أهميتها وشرحاً وافياً يساعدنا على التخلص من الضغوطات والأمراض، التي قد تكون أوهاماً أو تسبب بها مرض نفسي يصيب الإنسان من دون المخلوقات الأخرى، التي لا تصاب بالجنون في الغابة بعيداً عن الإنسان بل قد تصاب به بفعل الإنسان في السيرك؛ كما يقول مؤلف الكتاب.

استوقفتني فقرة في الكتاب تقول: "إن الغربيّين يتمتعون بقوة مناعة مجهولة تجاه الأمراض المعدية، بينما يكون الشرق فريسة سهلة لها، فالعقل الغربي يعيش كوحدة فردية مستقلة لا يؤثر المجتمع عليه كثيراً، وهذا ما يحمي الإنسان هناك من الأمراض المعدية التي اختفت بالغرب، لكن تزايدت الأمراض الفردية كالجنون وتوتر والأزمات القلبية وغيرها".

يؤكد المؤلف وهو المعالج الروحي أوشو أن العقل والتفكير يترك الإنسان عرضة لأمراض معينة، وأن العقل والجسد لا ينفصلان أحدهما مرتبط بالآخر، لذلك نجد مناعة الناس من كورونا اختلفت حسب قدرة أجسادهم ومناعتها، وكذلك استسلم بعض البشر الذين كانوا لا يعانون من أمراض مُزْمنة للموت، لأن الفزع الذي انتابهم كان مسيطراً لدرجة السلبية، فاستسلم الجسد لنداءات العقل ما تسبب بضعفهم وسيطرة الوهم والخوف.

الإنسان ذلك الكائن الاجتماعي الذي أضعفته كورونا بما فرضته من قطيعة مع عالمه، فألزمته مقر سكنه ومارس الحياة عن بعد: العمل والتعليم والترفيه والتسوق الإلكتروني بقيت محاولاته للتواصل مع الآخر ولم تتوقف ولم ييأس فقد كان يغني أو يعزف أو يقرأ قصائد وأشعاراً، مشرعاً نافذة منزله على من حوله من الذين كانوا يستجيبون لأنغامه فيمتلئ الحي بأصوات البشر التي تجاوبت مع نداءاته بأشكال مختلفة.

بين كوارث كورونا وضجيج ما خلفته، هناك دعوة للتأمل الذي يجلب لنا رهافة الحس، وشعور الانتماء إلى العالم كما يقول أوشو؛ ثم إن الموسيقى والشعر والغناء والرسم والرقص تولد من التأمل، فلنمنح أنفسنا هنيهات من الصمت فهو تأمل نعثر من خلاله على ذواتنا.