الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

العيد والواقع الجديد.. أسئلة حائرة

نعيش حالياً أجواء أيام التشريق، وقد اتّخذت السعودية إجراءات احترازية لضمان حج آمن اقتصر على عدد محدود جدّاً من الداخل في ظل الجائحة الجامحة، لكن القلوب تخفق بشوق يمسُّ شِغافها مفتقدةً التلبية والتكبير والتهليل حين يعتلي الجمع الغفير جبل عرفة، ودويٌّ كدويّ النحل تنبض به قلوب المُلبينَ، وقد أتوا من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم بدمع الرجاء يجلو المآقي.

واليوم أرواحنا معلقة بأستار الكعبة، وعقولنا حائرة بأسئلة وتأملات حول هذا التغير المفاجئ في مسار الكون، ونتساءل: هل سيعود يوماً ما مشهد الحجيج في مثل هذا الوقت من كل عام كما كان؟!

هل سيطوف ضيوف الرحمن حول الكعبة كسابق عهدهم بها كما يطوف كل ما في الوجود حول مركز الكون، كما يطوف الإلكترون حول نواة الذرة، والقمر حول الأرض، والأرض حول الشمس، طوافاً يُحاكي حركة الكون توحيداً وتعظيماً للواحد الأحد في مشهد مهيب يعيد صياغة تصوراتنا القاصرة عن الزمان، ويبدل أفهامنا عن المكان؟!

ألن نهرول مجدداً سعياً من الصفا إلى المروة حيث النبع الصافي والوجود من العدم، كما يهرول البشر على جسر العبور من الميلاد إلى الممات؟!، ألن نؤدي المناسك سبعاً بعدد ألوان الطيف، وأيام الأسبوع، والسماوات السبع، والأراضين السبع؟!، ألن نتجرد من بهرجة الدنيا في رداء أبيض ملقىً على جسد طاهر ليعيدنا إلى طُهرنا الذي وُلدنا به قبل أن نتلطخ بفتن الدنيا وهمومها؟!، ألن نجتمع في هذا المحفل السنوي مجدداً بمختلف أعراقنا وأجناسنا ولغاتنا حفاةً متجردين على صعيد واحد، في رمزية عبقرية ليوم الحشر الأكبر، لا فرق بيننا إلا بالتقوى وما عملته أيدينا؟!، ألن توحدنا التلبية حبّاً وشوقاً ورغبةً في ذات الحيز المكاني قريباً، حتى يذوب الكِبْر فينا أمام العظمة المطلقة؟!

نحن بطبيعتنا البشرية لا نُقدِّر قيمة النعمة إلا بزوالها، فلا ندرك معنى الصِّحة إلا بالمرض، ولذة القرب إلا بالبُعد، ولقاء الأحبة إلا بفراقهم، فكذلك جعلتنا الجائحة نشعر بالافتقاد الكبير والشوق لمناسك الحج ورمزيتها، وصنيعها بأرواحنا، ودورها في تطهير أفئدتنا، نلهج بالدعوات والتوسلات للرحمن الرحيم، شُعثاً غُبراً، حيث يتنزَّل ملك المُلوك، يُباهي بنا أهل السماء، ونرتقي في ملكوت الغفران والعتق من النيران، وقد نلنا الرضا والنور مع شفق الغروب، لنعود أدراجَنا كيوم ولدتنا أمهاتنا.