الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

فضيلة تُبْنى عليها الفضائل

في هذه الأيام المقدسة، يظهر لنا مفهوم الأخلاق الأصلية كسلوك قد يكون ضد المصلحة الشخصية، مع ظاهرة أخرى تبدو مشابهة، رغم أنها في جوهرها مختلفة تماماً عن الأخلاق، وهي«السلوك الاجتماعي»، فعادة ما يتصرف الإنسان في إطار حدود مصلحته الاجتماعية لتحقيق احتياجاته الشخصية على نطاق أوسع وأكثر فعالية.

لا يمكن للإنسان أن يكون محايداً في الأخلاق.. قد يتصرف الناس بشكل مختلف عن بعضهم البعض، لكنهم يتحدثون دائماً بنفس الطريقة عن العدالة والحق والصدق والحرية والمساواة، يفعل الأبطال والحكماء ذلك بحكم صدقهم ودعمهم للحقيقة، والسياسيون وقادة الغوغاء يفعلون الشيء نفسه بدافع المصلحة.

في سياق موازٍ، المساحة الداخلية للإنسان واسعة وغير محدودة وفقاً للخبراء في العلوم الإنسانية، وعظمة الإنسان لا تكمن أساساً في أعماله الصالحة، ولكن في قدرته على الاختيار، فلا يوجد الخير خارج إرادة الإنسان، ولا يمكن فرضه بالقوة، وهكذا يأتي إنكار الذات والتضحية والإيثار.

إن تقدير الذات أمر مطلوب كما نكرانها، شرط مراعاة التوازن المطلوب في ممارسة كلتا الفضيلتين باعتدال، وقيل إن الفضيلة تكمن في الحد الأوسط بين الطرفين، فعلى سبيل المثال: فضيلة الكرم تكمن في الحد الأوسط بين البخل والإسراف، تماماً كما تكمن فضيلة الشجاعة في الحد الأوسط بين التهور والجبن، ونحو ذلك.

فلا يمكن تصور استمرار نجاح الحياة الأسرية على المستوى الفردي دون حد معقول من إنكار الذات والإيثار، وتقديم الآخرين على أنفسهم، والتضحية بحقوق الذات لصالح حقوق الآخرين على حدة كانوا أم الأمة نفسها، في إطار المصلحة العامة.

ويستلهم معظم نظريات الأخلاق الفضيلة إلهامها من التضحية والإيثار، التي تعلن أن الشخص الفاضل هو الشخص الذي يتمتع بسمات شخصية مثالية، وهذه الصفات مستمدة من الميول الداخلية الطبيعية، لكنها تحتاج إلى رعايتها، فالشخص الفاضل هو شخص لطيف في العديد من المواقف على مدار حياته وليس لأنها تريد تعظيم المنفعة.

يتَّضح أن لا تناقض بين الدعوة إلى احترام الذات وتقديرها، وبين نكران الذات إذا تمَّت ممارسة ذلك ضمن قانون الاعتدال والتوازن، عليه سيكون لنكران الذات دور كبير في حياة الإنسان وتربيته الروحية والخلقية، بل إن كثيراً من الفضائل تُبنى على هذه الفضيلة، وإن كثيراً من المصالح الحيوية للفرد وللأمة هي مرهونة بها.