الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

هذا هو أنت

هناك أمور في حياة الإنسان قدريَّة، لا دخل ولا خيار له فيها، كاختيار أبويه، اسمه، وضعه والاقتصادي الذي نشأ فيه، وتاريخه الاجتماعي الذي انحدر منه، ولكن، يبقَى الإنسان له القدرة في تغيير مجملها إن أراد، وبعضها لا يمكن أن «يستأصله» من تاريخه الإنساني، مهما حاول جاهداً.

هناك ذاكرة لا يمكن لأيّ واحد منا أن «يُقصيها»، ولن تتبرأ منه مهما حاول هو أن يتبرأ منها، فالتصالح مع الذات بداية للتصالح مع الآخرين، ومع الماضي، والحاضر، والمستقبل.

يقول أبراهام لينكولن: «يمكن أن تخدع كل الناس بعض الوقت، وبعض الناس كل الوقت، لكنك لن تستطيع خداع كل الناس كل الوقت».

أسوق هذه المقولة الشهيرة، كمثال في مسألة أهمية تصالح الفرد مع ماضيه تحديداً، فليس من التذاكي، أو النبل، أو المصداقية، التنصل من ماضيك والسعي لحرقه، وإن كان بأسلوب «استغباء» الآخرين، وتسويق تاريخ مزيف لا أثر لك فيه، وبخاصَّة حينما ينتقل البعض انتقالاً جذريّاً من وسط اجتماعي، أو مهني، إلى وضع مادِّي أعلى لم يكن عليه في الماضي.

وهذا يحدث غالباً عند بعض الفنانين، وممن يدخلون عالم الأضواء من أيّ باب، فتجدهم يجتهدون في تلميع صورهم للجمهور، وإن اضطروا لكتابة تاريخ جديد لأنفسهم شديد اللمعان، غير أنهم سرعان ما يخفقون في ذلك، لأن الماضي وإن لم يطلَّع عليه معظم الجمهور، فهناك حتماً شهود عليه بكل فصوله.

فالتنكر للماضي الذي لا تحب، لا يلغيه، لأنه يبقى حقيقة في كتابك، وجزءاً من ذاكرتك، فليس عليك إلغاؤه، بل أن تجتهد في صناعة ذاتك، وكتابة حاضرك الذي تريد.

لذلك، تجد بعض المشاهير، والعديد من الشخصيات العامة، والكثير من الساسة في العالم، حققوا شهرة واسعة، وحضوراً جماهيرياً ساحقاً، لأنهم كانوا أذكياء في تقديم سيرهم الذاتية بكل فصولها، ولم يحاولوا التنصل من ذاكرتهم الأولى، حينما بدأوا بالتحدث عن ماضيهم، البسيط، المتواضع، وبقدر تصالحهم معه، واعتزازهم بتلك الظروف التي نشأوا فيها، استطاعوا أن يحظوا باحترام، وتأييد، وتقدير الجمهور لهم. ليس المهم كيف كُنْت، ولكن المهم، والأهم ماذا أنت؟

أنت بقدر ما تملكه من قيم أخلاقية، وبما حققته من إنجازات، وطموحات سواء على الصعيد الأكاديمي، أو المهني، أو الإنساني.. فهذا هو تاريخك الحقيقي.. وهذا هو أنت.