الخميس - 18 أبريل 2024
الخميس - 18 أبريل 2024

الرحلة

في عالم الرواية، لا يكون البطل في بداية رحلته بطلاً حقيقياً، إلا عندما ترافقه كثير من العيوب، فالبطل المتماسك روحيّاً ونفسيّاً، والذي يعرف تماماً كيف يتعامل مع تقلبات الحياة ومفاجآتها لا تثير قصته أي مثار من شأنه أن يشد القارئ لمتابعة رحلته في الحياة.. رحلة التغيير التي ننتظرها بشغف.

وهذا هو السر المخبوء في فكرة رحلتنا نحن ككائنات اجتماعية، تعيش يومياتها وتتجنب العوارض والمصاعب في حركة التفاف دائمة، كي لا تصطدم بالألم، رغم أن واحدة من اشتراطات النمو هو ذلك الشعور بالألم الذي لا يطاق.

لقد صادفت كثيرين في حياتي ممن ينشدون الكمال بالقفز على تجاربهم الموجعة، دون أن يتركوا لأنفسهم انسيابية التحرك مع التيار، ودون أي محاولة جادة لتعلم السباحة في المحيط، بدلاً من البحث عن سترة النجاة.

في المحصلة، نجد أن لا شيء يتغير، بل أن عيوبهم الداخلية تتفاقم حتى تبلغ الحد الذي يجعلها تنسرب إلى الخارج مع أي موقف عابر، يكون الوقت متاحاً ووفياً للتعلم، لأنه في جوهره مصنوع من مادة الفرص.

وعند اللحظة التي يدرك فيها الإنسان حاجته الحقيقية للتخلص من عيوبه تبدأ الرحلة المنشودة، والعيوب التي نحاول أن نواريها هي السماد الحقيقي لبناء الإنسان، وهي القيمة الأهم التي من شأنها أن تقوض نفسها من خلال رحلة التعلم إلى صفات يمكنها أن تعالج أخطاء الماضي بكل أشكاله.

يقول فريدريك نيتشه: «ما هو عظيم في الإنسان إنما كونه جسراً لا هدفاً»، وغالباً ما يكون الهدف هو محطة وصول، ينتهي مع نهاية القصة، ويلغي معها الفتنة المخبوءة في التفاصيل الشاقة، حيث يجد الإنسان نفسه بعد أن استعاد أنفاسه في مرحلة جديدة، تطرح معها عيوباً جديدة، ورحلة أخرى تحتاج إلى القوة لتعلم الدرس الجديد.

أن تتعثر بعيوبك بعض الوقت يعني أنك بطل حقيقي في قصتك، التي تستحق أن تحدث فارقاً مهماً في دروس الحياة، أما أن تنصب العثرات للناس طوال الوقت، يعني أنك كومبارس تنتهي قصتك مع بلوغك الهدف الوحيد، الهدف الذي لا يرقى غالباً لأن يكون قصة رحلة تستحق أن ترويها.

قد لا تتيح لك الظروف تأليف قصة حياتك، ولكنك حتماً البطل الذي يصنع الجانب المشوق في هذه الرحلة التي تسمى الحياة.