الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

الغربة.. طريقنا إلى الداخل

شاعت مقولة «نبتعد.. لنقترب»، والتي تعني أن التّباعد الجسدي خلال فترة جائحة كورونا يمهّد الطريق لتقاربنا بعدها، وقد أجبرتنا الظروف على عزلة من نوعٍ خاص، إذ إن التباعد الجسدي في الواقع رافقه نشاط افتراضي إما من خلال منّصات التواصل الاجتماعي، أو المكتبات الرقمية، أو البرامج التفاعلية التي جعلتنا نخاف معاً ونطمئن معاً.

وإذا أمعنا النظر في المقولة، فسنجد أن البُعد بكل درجاته، حتى درجة الغربة عن الأهل والوطن ـ لظروف الدراسة والعمل على سبيل المثال ـ يمكن أن يمهّد الطريق لبناء نسخ جديدة من حياتنا وذواتنا، تماماً كما فعلت الجائحة.

حين نغترب لفترة طويلة، فإننا نفقد صلاتنا بنمط عالمنا الذي نعرف كافة تضاريسه عن ظهر قلب، فنضطر إلى ابتداع نمطٍ جديدٍ للتأقلم مع وضعٍ طارئ في حياةٍ مختلفة، وربّما مع أشخاص مختلفين، وقد نتعرّف أثناء ذلك إلى جوانب مغمورة فينا وفي الآخرين، أو نمارس هوايات وأنشطة لم نمارسها من قبل، وقد نبدأ مشاريع كُبرى، وننهي مشاريع كُبرى أخرى، وقد نستلهم ضوءاً أو نكون مصدراً لضوء.


لكن الأهم انغماسنا الذي لا مفرّ منه نحو الداخل ليتحقّق كل ما سبق، ولذا فإن الغربة عن المحيط الخارجي يُفترص أن تقود إلى قربٍ وجداني وذاتي.. وقد يحاول البعض منَّا إيجاد المقاربات بين القديم والجديد، وقد يترك مساحة أخرى كافية في داخله لما سيستجد بعد.


نحن لا نعلم الغيب ـ وتلك رحمة الله بنا ـ لكننا نعرف أن حقولاً شاسعة يُعيد خلقها في دواخلنا كل يوم تحت شمسٍ وعاصفة، مجبولة على دوران الظلمة والنور، كيما تنمو مثل نموّنا في الغربة والألفة، والابتعاد والاقتراب، عند الجوائح والتعافي.