الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

الملحمة «المليبارية» لحماية العربية

في الثلاثين من يوليو الفائت اتصل بي أحد تلامذتي النابغين د. محمد علي الوافي رئيس قسم العربية في إحدى كليات كيرالا، وهو كاتب قدير ومتميز في العربية، ليذكرني بملحمة بطولية للشعب المليباري في سبيل حماية اللغة العربية والذود عنها في 30 يوليو الموافق 17 رمضان المبارك لعام 1980م، استشهد فيها ثلاثة شبان مليباريين يافعين وهم صائمون وأصيب العشرات بالجروح، حين أطلقت الشرطة النار على المتظاهرين أمام مكتب مدير المقاطعة في مدينة «مالابورام» ضد قانون الحكومة الشيوعية بولاية كيرالا القاضي بإزالة مادة اللغة العربية من المدارس الحكومية والأهلية في كيرالا، لقطع صلة المسلمين باللغة العربية والإسلام، وقد أثار القانون اعتصامات واحتجاجات ومظاهرات عارمة في عموم كيرالا تحت قيادة رابطة المسلمين للاتحاد الهندي ورابطة الشبان المسلمين.
الخوض في تفاصيل الحادثة كشف عن عمق ارتباط مسلمي كيرالا ولا سيما من منطقة مليبار باللغة العربية ومدى استعدادهم لبذل كل غالٍ ونفيس للدفاع عنها وصيانتها بكل السبل الممكنة، ولا غلو في ذلك فقد عُرف المسلمون في كيرالا - ويشكلون نحو ربع سكان الولاية البالغ عددهم 34 مليون نسمة - بحبهم الشديد للغة العربية المتمثل في اهتمامهم البالغ بتعلمها وتعليمها في المدارس الأهلية والخاصة والدينية والكليات والجامعات الحكومية، ما أفرز ثقافة عربية متمايزة في كيرالا تبلورت في دخول المفردات العربية في لغة المليالم، ونشوء لغة «عربي مليالم» (لغة المليالم بالخط العربي) إلى جانب نبوغ عدد كبير من الشعراء والكتاب باللغة العربية، ولقد دوّن عدد من السياح العرب مشاهداتهم في ولاية كيرالا وأعربوا عن دهشتهم الكبيرة على مدى شيوع مظاهر الثقافة العربية والإسلامية في ربوع كيرالا واعتناء الشعب المليباري الكبير بالحفاظ عليها ونشرها.
يرجع ارتباط شعب كيرالا بالعرب إلى عصور ما قبل الإسلام عبر روابط تجارية، ولما وصل إليها الإسلام على أيدي التجار العرب استقبلوه بحفاوة، وبني أول مسجد على أرضها في صدر الإسلام، ووجد الإسلام في أرضها تربة خصبة في ظل أجواء اتسمت بالتسامح والانفتاح وقبول الآخر، ولا تزال تلك السمة المميزة للمجتمع الكيرالي، وبالعودة إلى الاستشهاد من أجل الدفاع عن العربية، فقد سجّل كل من عبدالمجيد، وعبدالرحمن وعبدالله كونجيبا أسماءهم في تاريخ اللغة العربية بكيرالا بحروف من الذهب، وبات الثلاثة رمزاً للنضال من أجل حماية العربية، وتُستحضر تضحياتهم في الثلاثين من يوليو كل سنة.