الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

أغاني البحر.. الإيقاع والحماس

هناك علم يُعرف بعلم موسيقى الشعوب، أو الموسيقى العرقية، ويقال إن أول من صاغ هذا الاسم له؛ هو الموسيقي الهولندي «جاب كونست» كبديل عن علم الموسيقى المقارن، وذلك بعد زيارته لإندونيسيا عام 1920 وأقام فيها متجولاً في مناطقها لمدة 14 عاماً، فتعرَّفَ على الموسيقى ذات العلاقة بالأعراق، فدرس علم الأعراق البشرية «الإثنوغرافي» من الجانب الموسيقي لها، وهو علمٌ يؤكد وجود رابط بين الموسيقى والسياقات الثقافية والاجتماعية والمادية والإدراكية والبيولوجية وغيرها من خصائص الشعب الذي يمارسها.
وفي شعوبنا العربية نجد أن لكل مهنة «وأقصد المهن الأساسية لا المستحدثة»، هناك لحن أو إيقاع يقوم بدور تعبئة الهمم فيُشعل الحماس للعمل، فكثيراً ما نسمع البنائين يرددون أثناء حمل الطابوق والإسمنت ويناولونه لبعضهم «هيلا هيلا صلوا عالنبي» بوتيرة موسيقية متكررة، وهي إلى جانب الحماس تحدد بإيقاعها أيضاً التوقيت لنقل الحمولة، وللبحر موسيقاه، فهناك البحارة الذين كنت أسمعهم في شاطئ غزة يُنشدون بلهجتهم: «ياللي فوق ارحم عبيدك** يللي فوق أرواحنا بإيدك»، بينما على شواطئ لبنان تسمع الصيادين يخاطبون البحر «هيلا يا واسع هيلا هيلا** مركبك راجع هيلا هيلا»، بينما تراهم في الإمارات يحادثون البحر برجاء عدم الغدر بهم قائلين: «توب توب يا بحر.. ما تخاف من الله يا بحر، موتت الناس يا بحر» ودوماً هناك لازمة تتضمنها الأغنية ترددها المجموعة خلف المغني، وهو ما يُصَعِّد الحماس ويشد أزر الصيادين.
ولفن الصوت الذي يقوم بأدائه النهام في الخليج العربي تميز خاص، لأنه فن لا يقوى على أدائه إلّا الصوت القوي المرتفع والقادر على الوصول، وهو لا يليق إلّا بالبحر، بل ويشبهه بعمقه وقوته.