الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

موريتانيا.. لنبدأ من التعليم

لا خلاف أن التعليم في موريتانيا يعاني اختلالات بنيوية متراكمة منذ عقود، وأن جميع محاولات إصلاحه باءت بالفشل، لأنها أُعدِّت بارتجال وبغير رؤية؛ ولا خلاف أيضاً أن نهضة الدول تنطلق من التعليم.

والتعليم يقوم على أربعة أركان: المعلِّم، والمتعلِّم، والمنهاج، والمدرسة، وما لم تصلح هذه المكوِّنات، فأي جهد لإصلاحه سيكون عبثاً.. المعلِّمون والأساتذة عندنا في حالة سيئة معنويّاً وماديّاً، فلا يُتوقع منهم في هذه الحال أن يكونوا مُحرِّكاً للإصلاح.

معظم التلاميذ يعانون الفقر؛ لذلك لا ينخرطون بشكل فعَّال في العملية التعليمية التي يعتبرونها روتيناً يوميّاً مملاً، إن لم يكن مؤلماً؛ والمناهج لم تُراجَع منذ فترة لتلائم التطورات العلمية والتكنولوجية والفكرية الحديثة.


أما المدرسة فحدِّث عنها ولا حرج، ضعفُ التجهيزات من كَرَاسِي وإنارةٍ وماء صالح للشرب، واكتظاظ الفصول، وعدم توافر الكتاب المدرسي أحياناً؛ ولا نتحدث عن التجهيزات «الكمالية» كالحواسيب والألواح الرقمية، التي أصبحت ضرورية في بلدان أخرى، فتلك رفاهية لا ينالها مَن لا يجد كُرسيّاً للجلوس!، لهذه الأسباب تدَّنت مُخرجات تعليمنا وجودته؛ نعم حدث تحسُّن خلال السنتين الأخيرتين، لكنه أصاب الهامش لا العُمق، فلا تزال الطريق طويلة والتحديات جسيمة.


والآن لنتساءل: لماذا فشلت حكوماتنا منذ عقود في إصلاح التعليم؟ والجواب، بإيجاز، هو أن الإصلاح يحتاج إلى إدارة فعالة وإرادة قوية، والتعليم الجيد مكلِّف جدّاً، إذْ يتطلب من حين لآخر مضاعفة الميزانية المخصصة له، وهذا ما تُحجم عنه الحكومات لأسباب اقتصادية ربما، لكن السبب الأهم هو أنها عمليّاً لا ترى التعليم أولوية بل مظهراً فقط: أي ضرورة وجود «مدارس» و«جامعات» و«معاهد»؛ لأن هذه الأشياء من مقومات الدول الحديثة؛ فلا يمكن قيام دولة حديثة بدونها.

لكن إذا كانت تكاليف التعليم الجيد باهظة، فإن تكاليف التعليم الرديء أكثر بأضعاف، لا سيما في المدى البعيد؛ لأن هذا النوع من التعليم لا يُنتج المبدعين والمخترعين، بل يأتي بالعَجَزة والفاشلين، ويخلق بيئة خصبة لأنواع الفساد والاحتيال وسوء التسيير التي تقود إلى الخراب لا البناء.

قال «لي كوان يو» باني نهضة سنغافورة إنه لم يأتِ بمعجزة، وإنما خصَّص الموارد للتعليم، وغيَّر حالَ المعلِّمين من طبقة بائسة إلى أرقى طبقة في المجتمع، «فالمعلم هو مَن صنع المعجزة».