السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

الإرباك الوظيفي والإنهاك النفسي

يُشكّل رأس المال البشري في منظومة التميز المؤسسي أحد أهم مرتكزات التطوير والريادة والتنافسية؛ لذلك تضطلع المؤسسات المتميزة بتنفيذ معادلة «أسعِد العاملين ليُسعدوا المتعاملين»، وما يرتبط بذلك من خلق بيئة عمل إيجابية ومحفزة على الإبداع والابتكار لتحقيق نتائج باهرة.

والسؤال: كيف نتوقع بيئة عمل يسودها تذمر العاملين من رؤسائهم -أولئك البارعين في صناعة الإرباك والارتباك الوظيفي- وممارسة الضغوطات النفسية على مرؤوسيهم بشكل يؤثر على إنتاجية وفاعلية المؤسسات، خاصة الخدمية؟.. يمكن رصد ثلاثة أنماط من المديرين يؤثرون سلباً على العافية المؤسسية والصحة النفسية للعاملين.

النمط الأول: مديرون مبدعون في الإدارة بالضغوط، لا يحسنون تخطيط إنجاز المهام، يضعون مرؤوسيهم تحت استنفار دائم، ويؤجلون الأعمال حتى اللحظة الأخيرة لتكليف من حولهم لإنجاز ما لا يمكن إنجازه وفي أضيق وقت لمزيد من الضغط؛ لديهم خصومة مع التطوير، يجعلون من بيئة العمل مِرجلاً يغلي بالضغوطات النفسية، ما يضطر أصحاب الكفاءات إلى الفرار بحثاً عن السلام الوظيفي.


النمط الثاني: مديرون دأبُهم الغموض في التوجيهات والتكليفات، والضبابية في المهام والتعليمات، ويُصدرون قرارات مُربكة، تُنبئ عن جهل مهني، معالمه الغرور الوظيفي والتكبر المؤسسي، وغياب الواقعية والموضوعية، ومحدودية الرؤية، ناهيك عن الافتقار لأدبيات الإنصات والتشاركية؛ مُتنكرين للإنجاز، مُحبطين للإبداع.


النمط الثالث: مديرون متخصصون في صناعة الأعداء، وإشعال نيران المعارك؛ فالعمل في مخيّلتهم موقعة ينتصر فيها المرء أو يُهان، دائمو التوجس والتربص لسحق الزملاء الأعداء، لا يكترثون بفهم احتياجات وتوقعات مرؤوسيهم؛ في وجودهم يصل مؤشر التوتر لأقصى المعدلات، وترتفع درجات الطاقة السلبية، ويشتد وطيس المعارك الوظيفية.. وما يُدهشك، أن هذه الأنماط من المديرين حينما تشارك في ملتقيات مؤسسية أو مجتمعية، تَشعُّ من ثنايا حديثهم ينابيع الحكمة والفكر السديد، والتوجيه الرشيد في إصدار نظري مثالي وهمي، أبعد ما يكون عن حقيقة واقعهم العملي المُنهك المُربك.

إلى كل عابر سبيل في الرحلة الوظيفية، خاصة المستويات الإشرافية والقيادية، إما أن تزرعوا وروداً يبقى عطرها حاضراً مهما غبتم، ولكم القدوة فيمن تقاعدوا أو غابوا، وظلوا حاضرين بسيرتهم ومسيرتهم وجميل غرسهم، أو أن تستثمروا في المعارك والضغوط الوظيفية، ليبقى أثرها ندوباً غائرة على الصحة النفسية لمرؤوسيكم، وتقترن سيرتكم أينما ذُكرتم بصناعة الأعداء، وإنهاك وإرباك من حولكم، ولكم العبرة فيمن سبقوكم.